العلماء يبينون عجائب صنع الله في خلقه ( الجزء الثالث )
21- تركيب الحواس في الأحياء
ويبين لنا الدكتور يوسف أن " لمعظم الحيوانات أعضاء للحس كحاسة الإبصار والشم واللمس والسمع ، والتركيب الأساسي للعين يتشابه في جميع الثدييات وغيرها ، وهو تركيب مذهل وشديد التعقيد ، فللعين عدسة تستقبل الضوء ، وفتحة ينفذ الضوء من خلالها ؛ ليخترق العدسة ، وتلك الفتحة التي ينفذ منها الضوء في العين تتسع تلقائياً في الضوء الخافت ، وتضيق تلقائياً إذا كان الضوء شديداً ، والحكمة من ذلك واضحة ، ففي حالة الضوء الخافت تحتاج عملية الإبصار إلى كمية كبيرة من الضوء ، أمّا في حالة الضوء الشديد فتكفي كمية قليلة منه لكي تتضح الأشياء المرئية .
والعين ترى الأشياء في ضوء خافت ، ولم يتمكن عقل الإنسان من اختراع آلة تصوير يمكنها التقاط صور المرئيات في مثل هذا الضوء .
وكما أنّ النحل قادر على رؤية الأشعة فوق البنفسجية ، فإنّ البومة في إمكانها رؤية الأشعة تحت الحمراء التي لا نراها ، وهي أشعة حرارية ، ولذا فالبومة تستطيع أن تبصر الفأر في الظلام الدامس عن طريق الأشعة الحرارية تحت الحمراء التي تشع من جسده الدافئ .
وينفذ شعاع الضوء من العدسة ليقع على الشبكية عند قاع العين ، وتتكون الشبكية من تسع طبقات مختلفة ، ولا تزيد في مجموعها عن سمك ورقة رقيقة ، والطبقة التي في أقصي قاع العين تتكون من ملايين من الأعواد والمخروطات منتظمة في تناسب محكم يمكنها أن تميز الألوان . ويتولى العصب البصري نقل هذا الإحساس إلى مركز معين في المخ يترجم الإحساس إلى صورة مرئية تبصرها العين بوضوح .
وتلك التنظيمات العجيبة للعدسات والأعواد والمخروطات والأعصاب لا بدّ أن تكون قد حدثت في وقت واحد .. إذ إنه إذا لم توجد جميعها معاً في وقت واحد فإنّ الإبصار يصبح مستحيلاً ، فكيف استطاعت جميع هذه العوامل أن يُكمّل بعضها بعضاً في وقت واحد ؟
إنّ العلوم الرياضية تقول لنا : إن حدوث هذه الأشياء دفعة واحدة عن طريق المصادفة أمر مستحيل ، إن آلة التصوير التلفزيونية ما هي إلا محاكاة بدائية لعملية الإبصار التي تتم عن طريق العين ، بل كل ما ابتكره الذهن البشري من اختراعات ما هو سوى محاكاة بدائية لما هو موجود في الخلق ، وإذا كانت آلة التصوير البسيطة يلزمها فكر وعقل لابتكارها ، فهل من المعقول أن تكون العين في الإنسان وغيره من الحيوانات تكونت عن طريق المصادفة ؟
ومن العجيب أنّ كلّ من هو في حاجة إلى الإبصار من الحيوانات خلق الله له عيوناً يرى بها ، ولو أنّ تلك العيون قد تختلف في تركيبها عن عيوننا اختلافاً كبيراً ، ولكنّها توصل إلى الهدف نفسه وهو الإبصار ، فنجد في دودة الأرض مثلاً خلايا في جلدها ذات حساسية للنور والظلام ، وهذا هو كلّ ما تحتاج إليه مثل هذه الدودة التي تعيش في الأنفاق من الطين داخل التربة .
وللحشرات عيون تختلف في تركيبها عن عين الإنسان أو القرد أو البقرة أو السلحفاة أو السمكة ، ولكن على الرغم من هذا الاختلاف إلا أن الحشرات ترى بها الأشياء التي تنظر إليها ، واختلاف الوسائل مع تشابه الهدف لا يمكن أن يأتي عن طريق المصادفة ؛ بل يأتي نتيجة لتخطيط يقصد من ورائه الوصول إلى هدف معين .
ولقد منح الله كلّ كائن حيّ من الحواس والإدراك على قدر حاجته فالذبابة المنزلية مثلاً بحاجة إلى عين ترى بها الغذاء ، وتدرك أيّ حركة يقصد بها الاعتداء على حياتها ؛ ولذا فقد زودها الخالق كما هي الحال في معظم الحشرات بزوج من العيون المركبة ؛ إذ إنّ كلّ عين من هذه العيون مكونة من مئات الوحدات المتشابهة المتراصة بعضها بجوار بعض ، كلّ وحدة من هذه الوحدات المتشابهة المتراصة بعضها بجوار بعض ، كلّ وحدة من هذه الوحدات ترى نقطة من الشيء المرئي ، وتتجمع هذه النقط فترى الذبابة الشيء كاملاً ، كما زودها خالقها بنوع آخر إضافي من العيون نسميه العيون البسيطة ، إذ توجد ثلاثة من هذه العيون البسيطة عند قمة رأسها ، وظيفتها إدراك أيّة حركة ، وهذه العيون هي التي تجعل الإمساك بالذبابة يكاد يكون في حكم المستحيل " .
22- كيفية تصميم العظام والمفاصل
والعظام في أجسامنا وأجسام عديد من الحيوانات نحركها عند المفاصل ، فتنقبض عضلات معينة وتنبسط عضلات أخرى في الوقت نفسه في توافق عجيب ، فتتحرك اليد أو الساق أو الإصبع وغيرها في الاتجاه الذي يرغب فيه الإنسان أو الحيوان ، وتركيب المفاصل مصمم بشكل يسمح بالانزلاق ، فلا يشعر الحيوان بأي احتكاك .
كما أن تصميم الفقرات في العمود الفقري من شأنه تحمل الضغط ، وتجنب الاحتكاك ، وترابط الفقرات مع بعضها ، فهو مصمم تصميماً مذهلاً ، ويحيط العمود الفقري بالحبل العصبي لحمايته ، كما تحمي الجمجمة المخ الذي بداخلها ، وتنفذ الأعصاب من الحبل العصبي من خلال ثقوب بالفقرات ، وجميع هذه التصميمات لا بدّ أن تكون قد تكونت في وقت واحد ، إذ لو اختل جانب منها لأصبحت حركة الحيوان غير ممكنة ، فهل من المعقول أن تحدث كل هذه الترتيبات في وقت واحد نتيجة مصادفة ؟
23- الحكمة في تجلط الدم
ومن المعروف أنّه إذا حدث جرح في أجسامنا فإنّ الدم الذي يخرج من الأوعية الدموية المجروحة لا يلبث أن يتجلط عند مكان الجرح ، وهذا تصميم مقصود له حكمته إذ إنّ الدم المتجمد يقفل الوعاء الدموي المجروح ، فيوقف بذلك استمرار تدفق الدم من الجرح ، ولو لم يحدث هذا التجلط لظلّ الدّم ينزف حتى الموت .
وممّا يدل على أنّ هذا التدبير مقصود من الخالق لحفظ الكائن الحي أنّنا نجده يحدث بطرق متباينة في الحيوانات المختلفة ، ولكنّ النتيجة في جميع الحالات واحدة ، ففي معظم الحشرات إذا جرح جسم حشرة كالصرصار مثلاً ، فإنّ عدداً من الخلايا يتجمع ، ويكون سدادة تقفل الجرح حتى لا ينزف الدم ، بينما نجد أنّ الدم يتجلط في بعض الحشرات كما يتجلط دمنا .
والوصول إلى هدف معين بطرق مختلفة .. كما سبق أن ذكرت ... دليل قاطع على وجود خالق يدبر ويقدر بشتى الطرق للتوصل إلى نتيجة معينة يكون من شأنها حفظ الكائن الحي .
24- قرنا الاستشعار عند البعوض
ولا يمكن أن يكون عن طريق المصادفة أن قرني استشعار ذكر البعوض به شعيرات أطول من تلك التي في قرني استشعاره أنثاه ، وكان الاعتقاد فيما مضى أنّ هذه الشعيرات الطويلة مظهر من مظاهر الزينة ، لكي يبدو الذكر جميلاً في عين الأنثى ، ولكن اتضح أنّه هذه الشعيرات التي في قرني استشعار الذكر قادرة على التقاط أصوات خاصة تحدثها أنثى البعوض وهي بعيدة عن الذكر بعداً شاسعاً ، وأصوات الأنثى هذه ذات موجات خاصة تشبه إلى حد كبير موجات الإذاعة .
ويحرك الذكور قرني استشعاره في شتى الاتجاهات كما نحرك نحن هوائي التلفزيون لتصبح الصورة الملتقطة أكثر وضوحاً ، وفي وضع خاص يلتقط قرنا الاستشعار صوت الأنثى واضحاً ، وعن طريق زاوية قرن استشعاره يدرك الذكر غريزياً مكان الأنثى التي تحدث الصوت ، فيطير نحوها بأقصى سرعته حيث يتم التزاوج بينهما .
وهكذا نرى أنّ البعوض قد منحه خالقه هذه القدرة العجيبة التي تمكنه من إدراك صوت الأنثى البعيدة عنه بعشرات (( الأمتار )) على الرغم من وجود أصوات أخرى عديدة يموج بها الجو ، ولو لم يحدث ذلك لما تمكن الذكر من العثور على الأنثى بسهولة ، ولما تمكن البعوض من البقاء جيلاً بعد جيل .
إنها محطة استقبال إذاعي في قرني استشعاره استخدمها البعوض قبل أن يتمكن الإنسان من التوصل إلى أسرار الإرسال اللاسلكي بملايين السنين ، فهل يمكن أن يحدث مثل هذا عن طريق مصادفة عمياء ؟
25- حيوانات تومض في الظلام
ومن الحشرات ما تنبعث من أنثاها أضواء تومض في الظلام ومضات ذات تردد معين يميزها ذكر هذا النوع من الحشرات بالذات ، ولا تختلط عليه مع ومضات ضوئية لحشرات أخرى ذات تردد مختلف . عندما يرى الذكر هذه الومضات التي لا تكاد تدركها عيوننا يطير إلى أنثاه ، فيحدث التزاوج ليستمر بقاء النوع .
إن العلوم الرياضية تثبت أنّ مثل هذا التنظيم والترتيب لا يمكن مطلقاً أن يكون من صنع (( طبيعة )) لا عقل لها ، بل هو تخطيط من صنع خالق يعلم ماذا يصنع ويرتب ويقدر أروع تقدير لبلوغ هدف معين .
26- عملية الهضم في الحيوان
ونحن نعلم أن تقطيع الطعام إلى أجزاء صغيرة أمر ضروري لتسهيل عملية الهضم ، والأسنان ذات تركيب وتنظيم متباين في الحيوانات المختلفة ، ولكنّها تؤدي الوظيفة نفسها وهي تقطيع الطعام .
وترتيب الأسنان في الإنسان ترتيب مذهل إذ توجد قواطع وأنياب وأضراس مرتبة ترتيباً خاصاً يجعل لكلّ نوع منها وظيفة معينة . ولا توجد أسنان للحيوانات التي لا تحتاج إليها ، كتلك التي تتغذى على السوائل حيث تزود بوسائل خاصة لارتشاف الغذاء السائل وتوصيله إلى القناة الهضمية . وفي أثناء المضغ في الحيوانات ذات الأسنان تفرز الغدد اللعابية إفرازها ليختلط بالغذاء حيث تبدأ عملية هضمه .
وفي المعدة والأمعاء – كما ذكرت فيما سبق – يفرز الحيوان (أنزيمات) يؤثر كلّ واحد منها في نوع معين من الغذاء ، ولا يؤثر في الأنواع الأخرى .
27- تكون الجنين
وعملية تكوين الجنين في أي حيوان عملية مذهلة ، يكتفي العلم بملاحظة وشرح خطواتها ، ولكنّه يقف عاجزاً عن معرفة كنهها ، والقوى التي تدفع بها نحو هدف محدود هو تكون جنين لحيوان معين .
تبدأ هذه العملية بانجذاب الخلية الذكرية ( الحيوان المنوي للذكر ) نحو الخلية الأنثوية ( بويضة الأنثى ) فتتكون الخلية الملقحة ، وتبدأ الخلية الملقحة بعد ذلك في الانقسام بوساطة قوة عجيبة كامنة فيها ، فتصبح الخلية خليتين ، ثم أربع خلايا ، ثم ثماني خلايا ، وهكذا .. حتى يصل عدد الخلايا إلى حد معين ، فتصبح على هيئة كرة جوفاء جدارها مكون من طبقة واحدة من الخلايا ، ثم ينغمد نصف الكرة داخل النصف الآخر ، فتصبح ذات جدارين خلويين .
وفي معظم الحيوانات – ومنها الإنسان – تتكون بين الطبقتين طبقة خلوية ثالثة ، وتستمر الخلايا في الانقسام ، فتتكون من كلّ طبقة من الطبقات الثلاث أعضاء معينة .
فمن الطبقة الخارجية يتكون الجلد والجهاز العصبي ، وبعض أجزاء أخرى ، ومن الطبقة الوسطى تتكون العضلات والعظام ، ومن الطبقة الداخلية تتكون بعض أجزاء الجهاز الهضمي ، ويستمر انقسام الخلايا ، حتى يتم تكوين الجنين داخل الرحم في الحيوانات الثديية أو داخل البيضة في الحيوانات التي تبيض ، وعند اكتمال تكوين الجنين يلفظ الرحم ذلك الجنين خارج الجسم في الحيوانات الثديية ، ويكسر البيضة ويخرج منها في الحيوانات التي تضع بيضاً .
28- تركيب الأذن
وتركيب الأذن في الإنسان وفي عدد من الحيوانات الأخرى لا يمكن لأي عاقل أن يتصور حدوثه عن طريق المصادفة ، فللأذن طبلة تستقبل الموجات الصوتية فتتذبذب ، وهذه الذبذبات تؤثر في ثلاث عظام دقيقة مرتبة ترتيباً رائعاً . والضغط على جانبي الطبلة ينبغي أن يكون متساوياً ، ولهذا الغرض تمتد أنبوبة خلف الطبلة توصل إلى تجويف الأنف ، ويصل بالجزء الداخلي للأذن عظمة تشبه القوقعة في شكلها ، ووظيفتها تحليل الصوت ، وتمييز الأنغام المختلفة ، كما أنّ من وظيفتها أيضاً إحداث الاتزان ، إذ لولاها لما استطعنا أن نخطو خطوة واحدة دون أن نترنح ونسقط .
وتنتقل الذبذبات بعد ذلك عن طريق الأعصاب إلى مركز السمع بالمخ ، ليدرك الإنسان أو الحيوان سماع الأصوات المختلفة بعضها عن بعض . هل يمكن أن يحدث كل هذا في وقت واحد عن طريق المصادفة ؟ إن نظرية الاحتمالات في العلوم الرياضية تنفي إمكان ذلك نفياً قاطعاً .
29- ديدان الفلاريا
وتحدث في الكائنات الحية أشياء عجيبة ، لا تعد ولا تحصى ، تدلّ على وجود قوة عليا ترتب وتقدر لاستمرار بقاء الكائنات ، أشياء لا يمكن أن تحدث عن طريق المصادفة ، منها مثلاً : ما يحدث في دورة حياة الديدان التي تسبب المرض المسمى بمرض الفيل ، وهي التي نسميها ديدان (الفيلاريا) .
تغيض هذه الديدان في طورها الكامل في الأوعية اللمفاوية والغدد اللمفاوية للإنسان ، وتسد الأوعية اللمفاوية ، فتسبب تضخم بعض الأعضاء ، وعلى الأخص الساقين أو إحداهما ، حيث تصبح ساق الإنسان في حجم ساق الفيل .
وتتزاوج هذه الديدان في أثناء وجودها داخل الأوعية اللمفاوية للإنسان ، وتنتج ديداناً صغيرة تنتقل من الأوعية اللمفاوية إلى الأوعية الدموية ، وإذا بقيت هذه الديدان في الأوعية الدموية للإنسان فإنها تعجز أن إتمام دورة حياتها إذ لا بد لها من أن تنتقل إلى جسم بعض أنواع البعوض لكي تتم تلك الدورة ، وتصبح قادرة على عدوى الإنسان ، فإذا امتصت البعوضة دم إنسان مصاب فإنّها تمتص مع الدّم عدداً من هذه الديدان الصغيرة التي تنمو داخل جسم البعوض حتى يكتمل نموها ، وتصبح قادرة على عدوى الإنسان إذا حقنتها البعوضة في دمه في أثناء عملية امتصاصها لدم الإنسان الذي تتغذى عليه .
ولقد حاول العلماء الحصول على هذه الديدان من دم المصابين بهذا المرض ولكن جميع محاولاتهم كانت تبوء بالفشل إلى أن حدث شيء عجيب .
في إحدى الليالي كان أحد العلماء ساهراً في معمله حتى ساعة متأخرة من الليل ، فأخذ عينة من دم إنسان مصاب وفحصها تحت الميكروسكوب ، وفوجئ بعدد هائل من هذه الديدان في العينة التي أخذها ، وفي أثناء النهار في اليوم التالي أخذ عينة من المصاب نفسه فلم يجد للديدان أثراً ، احتار في تفسير هذه الظاهرة العجيبة ، لماذا توجد هذه الديدان في عينة الدم إذا أخذها من المصاب ليلاً ، ولا تظهر إذا أخذها نهاراً ؟
واتضح أنّ تلك الديدان الصغيرة تهرب إلى الأوعية الدموية الداخلية في أثناء النهار ، ثم تعود إلى الأوعية الدموية القريبة من سطح الجلد في أثناء الليل ، والحكمة من ذلك هي أنّ البعوض الذي يتغذى على دم الإنسان في هذه الأماكن لا ينشط إلا في أثناء الليل ؛ ولذا فإنّ الديدان تنتقل إلى الأوعية الدموية القريبة من سطح الجلد ؛ لكي يتمكن البعوض من امتصاصها مع الدم لتتم دورة حياتها داخل جسم البعوضة ، ومن الطبيعي أن هذه الديدان لا تدرك شيئاً ولا تعلم شيئاً عن البعوض التي ستتم دورة حياتها داخل جسمه ؛ بل تفعل هذا عن غريزة ، أي أنّ هناك قوة عليا تملي عليها هذا التصرف لكي تستمر حياتها .
ومن العجيب أنّه في الأماكن التي تنشط أنواع البعوض التي تمتص الدّم نهاراً ولا تنشط ليلاً نجد أنّ الديدان تفعل العكس ، حيث تبقى في الأوعية الدموية الداخلية ليلاً ، وتهاجر إلى الأوعية الدموية نهاراً ، ليتمكن البعوض في هذه الحالة أيضاً من امتصاصها مع الدم ، فهل من الممكن أن يحدث هذا عن طرق المصادفة ؟
30- مغناطيسية الأرض
إذا تركنا تركيب الكائنات الحية وما فيه من إعجاز تتيه فيه العقول ، وتأملنا في الكون الرحب وجدنا عجباً ، أولى هذه العجائب المغناطيسية الكامنة في الكرة الأرضية ، وهي التي تربطنا بالأرض ، وتمنعنا من أن نتبعثر في الفضاء في أثناء دورانها .
هذه المغناطيسية تختلف عن المغناطيسية التي نجدها في القضيب المغناطيسي ... ، إننا نعلم أنّ القضيب المغناطيسي قادر على جذب بعض الأشياء ، ولكنّه يعجز عن جذب أشياء أخرى كاللحم والورق والزجاج والحجارة والرمل والماء وغيرها .... ، ولكن مغناطيسية الأرض تجذب كلّ شيء ، تجذب أجسامنا ، وتجذب الزجاج والرمل والماء والحجارة والورق ، إذ لو لم تجذب الأرض إليها هذه الأشياء لما بقي على سطحها شيء .
31- أحجام الأجرام السماوية وأبعادها ومداراتها
ولقد ذكر (فردهويل) أستاذ الفلك بجامعة لندن في كتابه ( طبيعة الكون ) أن من الكواكب ما يبلغ حجماً مذهلاً لا يكاد يتصوره العقل ، إذ تبدو الكرة الأرضية بالنسبة لأحد هذه الكواكب العملاقة كحبة الرمل .
يقول العالم الأمريكي الكبير (كريستي موريسون) الرئيس السابق لأكاديمية العلوم بنيويورك : " إنّ وضع الأجرام السماوية ليس مجرد مصادفة عشواء ؛ بل هي موضوعة في الفضاء بحسبان ؛ إذ إن القمر مثلاً لو كان أقرب إلى الأرض بمقدار ربع المسافة التي تفصلنا عنه لأصبح المد والجزر عنيفين حيث يغرق المد جميع أجزاء اليابسة ، فتموت غرقاً جميع حيوانات اليابسة نتيجة لذلك ، كما أن محور الأرض لو لم يكن منحرفاً بمقدار نحو ثلاث وعشرين درجة لترتب على ذلك وجود ليل دائم عند القطبين ، وتكوّن من بخار ماء المحيطات كميات هائلة من الجليد تضغط على القطبين فيتفرطح خط الاستواء ، ويقل هطول الأمطار بدرجة تجعل الحياة مستحيلة على الكرة الأرضية .
وتبلغ سرعة دوران الأرض نحو ألف ميل في الساعة ، فلو فرضنا أنها تدور بسرعة مائة ميل في الساعة فقط ، لطال كل من الليل والنهار ، وترتب على ذلك أن جميع النباتات والحيوانات تحترق نهاراً من شدة الحرارة ، وتَتجمد ليلاً من شدة البرد " .
وفي كتاب ضخم للدكتور جود أستاذ الفلسفة بجامعة لندن تناول بالدراسة ضمن ما تناوله شتى احتمالات نشأة الكون ، ونشأة الحياة من الوجهة العلمية والفلسفية ، وخلص من هذه الدراسة المستفيضة إلى أن الكون لا بد أن يكون نشأ نتيجة لعملية خلق رائعة ، وصدق الله إذ يقول : ( سنريهم آيَاتِنَا في الأفاق وفي أنفسهم حتَّى يتبيَّن لهم أنَّه الحقُّ ) [فصلت : 53]
21- تركيب الحواس في الأحياء
ويبين لنا الدكتور يوسف أن " لمعظم الحيوانات أعضاء للحس كحاسة الإبصار والشم واللمس والسمع ، والتركيب الأساسي للعين يتشابه في جميع الثدييات وغيرها ، وهو تركيب مذهل وشديد التعقيد ، فللعين عدسة تستقبل الضوء ، وفتحة ينفذ الضوء من خلالها ؛ ليخترق العدسة ، وتلك الفتحة التي ينفذ منها الضوء في العين تتسع تلقائياً في الضوء الخافت ، وتضيق تلقائياً إذا كان الضوء شديداً ، والحكمة من ذلك واضحة ، ففي حالة الضوء الخافت تحتاج عملية الإبصار إلى كمية كبيرة من الضوء ، أمّا في حالة الضوء الشديد فتكفي كمية قليلة منه لكي تتضح الأشياء المرئية .
والعين ترى الأشياء في ضوء خافت ، ولم يتمكن عقل الإنسان من اختراع آلة تصوير يمكنها التقاط صور المرئيات في مثل هذا الضوء .
وكما أنّ النحل قادر على رؤية الأشعة فوق البنفسجية ، فإنّ البومة في إمكانها رؤية الأشعة تحت الحمراء التي لا نراها ، وهي أشعة حرارية ، ولذا فالبومة تستطيع أن تبصر الفأر في الظلام الدامس عن طريق الأشعة الحرارية تحت الحمراء التي تشع من جسده الدافئ .
وينفذ شعاع الضوء من العدسة ليقع على الشبكية عند قاع العين ، وتتكون الشبكية من تسع طبقات مختلفة ، ولا تزيد في مجموعها عن سمك ورقة رقيقة ، والطبقة التي في أقصي قاع العين تتكون من ملايين من الأعواد والمخروطات منتظمة في تناسب محكم يمكنها أن تميز الألوان . ويتولى العصب البصري نقل هذا الإحساس إلى مركز معين في المخ يترجم الإحساس إلى صورة مرئية تبصرها العين بوضوح .
وتلك التنظيمات العجيبة للعدسات والأعواد والمخروطات والأعصاب لا بدّ أن تكون قد حدثت في وقت واحد .. إذ إنه إذا لم توجد جميعها معاً في وقت واحد فإنّ الإبصار يصبح مستحيلاً ، فكيف استطاعت جميع هذه العوامل أن يُكمّل بعضها بعضاً في وقت واحد ؟
إنّ العلوم الرياضية تقول لنا : إن حدوث هذه الأشياء دفعة واحدة عن طريق المصادفة أمر مستحيل ، إن آلة التصوير التلفزيونية ما هي إلا محاكاة بدائية لعملية الإبصار التي تتم عن طريق العين ، بل كل ما ابتكره الذهن البشري من اختراعات ما هو سوى محاكاة بدائية لما هو موجود في الخلق ، وإذا كانت آلة التصوير البسيطة يلزمها فكر وعقل لابتكارها ، فهل من المعقول أن تكون العين في الإنسان وغيره من الحيوانات تكونت عن طريق المصادفة ؟
ومن العجيب أنّ كلّ من هو في حاجة إلى الإبصار من الحيوانات خلق الله له عيوناً يرى بها ، ولو أنّ تلك العيون قد تختلف في تركيبها عن عيوننا اختلافاً كبيراً ، ولكنّها توصل إلى الهدف نفسه وهو الإبصار ، فنجد في دودة الأرض مثلاً خلايا في جلدها ذات حساسية للنور والظلام ، وهذا هو كلّ ما تحتاج إليه مثل هذه الدودة التي تعيش في الأنفاق من الطين داخل التربة .
وللحشرات عيون تختلف في تركيبها عن عين الإنسان أو القرد أو البقرة أو السلحفاة أو السمكة ، ولكن على الرغم من هذا الاختلاف إلا أن الحشرات ترى بها الأشياء التي تنظر إليها ، واختلاف الوسائل مع تشابه الهدف لا يمكن أن يأتي عن طريق المصادفة ؛ بل يأتي نتيجة لتخطيط يقصد من ورائه الوصول إلى هدف معين .
ولقد منح الله كلّ كائن حيّ من الحواس والإدراك على قدر حاجته فالذبابة المنزلية مثلاً بحاجة إلى عين ترى بها الغذاء ، وتدرك أيّ حركة يقصد بها الاعتداء على حياتها ؛ ولذا فقد زودها الخالق كما هي الحال في معظم الحشرات بزوج من العيون المركبة ؛ إذ إنّ كلّ عين من هذه العيون مكونة من مئات الوحدات المتشابهة المتراصة بعضها بجوار بعض ، كلّ وحدة من هذه الوحدات المتشابهة المتراصة بعضها بجوار بعض ، كلّ وحدة من هذه الوحدات ترى نقطة من الشيء المرئي ، وتتجمع هذه النقط فترى الذبابة الشيء كاملاً ، كما زودها خالقها بنوع آخر إضافي من العيون نسميه العيون البسيطة ، إذ توجد ثلاثة من هذه العيون البسيطة عند قمة رأسها ، وظيفتها إدراك أيّة حركة ، وهذه العيون هي التي تجعل الإمساك بالذبابة يكاد يكون في حكم المستحيل " .
22- كيفية تصميم العظام والمفاصل
والعظام في أجسامنا وأجسام عديد من الحيوانات نحركها عند المفاصل ، فتنقبض عضلات معينة وتنبسط عضلات أخرى في الوقت نفسه في توافق عجيب ، فتتحرك اليد أو الساق أو الإصبع وغيرها في الاتجاه الذي يرغب فيه الإنسان أو الحيوان ، وتركيب المفاصل مصمم بشكل يسمح بالانزلاق ، فلا يشعر الحيوان بأي احتكاك .
كما أن تصميم الفقرات في العمود الفقري من شأنه تحمل الضغط ، وتجنب الاحتكاك ، وترابط الفقرات مع بعضها ، فهو مصمم تصميماً مذهلاً ، ويحيط العمود الفقري بالحبل العصبي لحمايته ، كما تحمي الجمجمة المخ الذي بداخلها ، وتنفذ الأعصاب من الحبل العصبي من خلال ثقوب بالفقرات ، وجميع هذه التصميمات لا بدّ أن تكون قد تكونت في وقت واحد ، إذ لو اختل جانب منها لأصبحت حركة الحيوان غير ممكنة ، فهل من المعقول أن تحدث كل هذه الترتيبات في وقت واحد نتيجة مصادفة ؟
23- الحكمة في تجلط الدم
ومن المعروف أنّه إذا حدث جرح في أجسامنا فإنّ الدم الذي يخرج من الأوعية الدموية المجروحة لا يلبث أن يتجلط عند مكان الجرح ، وهذا تصميم مقصود له حكمته إذ إنّ الدم المتجمد يقفل الوعاء الدموي المجروح ، فيوقف بذلك استمرار تدفق الدم من الجرح ، ولو لم يحدث هذا التجلط لظلّ الدّم ينزف حتى الموت .
وممّا يدل على أنّ هذا التدبير مقصود من الخالق لحفظ الكائن الحي أنّنا نجده يحدث بطرق متباينة في الحيوانات المختلفة ، ولكنّ النتيجة في جميع الحالات واحدة ، ففي معظم الحشرات إذا جرح جسم حشرة كالصرصار مثلاً ، فإنّ عدداً من الخلايا يتجمع ، ويكون سدادة تقفل الجرح حتى لا ينزف الدم ، بينما نجد أنّ الدم يتجلط في بعض الحشرات كما يتجلط دمنا .
والوصول إلى هدف معين بطرق مختلفة .. كما سبق أن ذكرت ... دليل قاطع على وجود خالق يدبر ويقدر بشتى الطرق للتوصل إلى نتيجة معينة يكون من شأنها حفظ الكائن الحي .
24- قرنا الاستشعار عند البعوض
ولا يمكن أن يكون عن طريق المصادفة أن قرني استشعار ذكر البعوض به شعيرات أطول من تلك التي في قرني استشعاره أنثاه ، وكان الاعتقاد فيما مضى أنّ هذه الشعيرات الطويلة مظهر من مظاهر الزينة ، لكي يبدو الذكر جميلاً في عين الأنثى ، ولكن اتضح أنّه هذه الشعيرات التي في قرني استشعار الذكر قادرة على التقاط أصوات خاصة تحدثها أنثى البعوض وهي بعيدة عن الذكر بعداً شاسعاً ، وأصوات الأنثى هذه ذات موجات خاصة تشبه إلى حد كبير موجات الإذاعة .
ويحرك الذكور قرني استشعاره في شتى الاتجاهات كما نحرك نحن هوائي التلفزيون لتصبح الصورة الملتقطة أكثر وضوحاً ، وفي وضع خاص يلتقط قرنا الاستشعار صوت الأنثى واضحاً ، وعن طريق زاوية قرن استشعاره يدرك الذكر غريزياً مكان الأنثى التي تحدث الصوت ، فيطير نحوها بأقصى سرعته حيث يتم التزاوج بينهما .
وهكذا نرى أنّ البعوض قد منحه خالقه هذه القدرة العجيبة التي تمكنه من إدراك صوت الأنثى البعيدة عنه بعشرات (( الأمتار )) على الرغم من وجود أصوات أخرى عديدة يموج بها الجو ، ولو لم يحدث ذلك لما تمكن الذكر من العثور على الأنثى بسهولة ، ولما تمكن البعوض من البقاء جيلاً بعد جيل .
إنها محطة استقبال إذاعي في قرني استشعاره استخدمها البعوض قبل أن يتمكن الإنسان من التوصل إلى أسرار الإرسال اللاسلكي بملايين السنين ، فهل يمكن أن يحدث مثل هذا عن طريق مصادفة عمياء ؟
25- حيوانات تومض في الظلام
ومن الحشرات ما تنبعث من أنثاها أضواء تومض في الظلام ومضات ذات تردد معين يميزها ذكر هذا النوع من الحشرات بالذات ، ولا تختلط عليه مع ومضات ضوئية لحشرات أخرى ذات تردد مختلف . عندما يرى الذكر هذه الومضات التي لا تكاد تدركها عيوننا يطير إلى أنثاه ، فيحدث التزاوج ليستمر بقاء النوع .
إن العلوم الرياضية تثبت أنّ مثل هذا التنظيم والترتيب لا يمكن مطلقاً أن يكون من صنع (( طبيعة )) لا عقل لها ، بل هو تخطيط من صنع خالق يعلم ماذا يصنع ويرتب ويقدر أروع تقدير لبلوغ هدف معين .
26- عملية الهضم في الحيوان
ونحن نعلم أن تقطيع الطعام إلى أجزاء صغيرة أمر ضروري لتسهيل عملية الهضم ، والأسنان ذات تركيب وتنظيم متباين في الحيوانات المختلفة ، ولكنّها تؤدي الوظيفة نفسها وهي تقطيع الطعام .
وترتيب الأسنان في الإنسان ترتيب مذهل إذ توجد قواطع وأنياب وأضراس مرتبة ترتيباً خاصاً يجعل لكلّ نوع منها وظيفة معينة . ولا توجد أسنان للحيوانات التي لا تحتاج إليها ، كتلك التي تتغذى على السوائل حيث تزود بوسائل خاصة لارتشاف الغذاء السائل وتوصيله إلى القناة الهضمية . وفي أثناء المضغ في الحيوانات ذات الأسنان تفرز الغدد اللعابية إفرازها ليختلط بالغذاء حيث تبدأ عملية هضمه .
وفي المعدة والأمعاء – كما ذكرت فيما سبق – يفرز الحيوان (أنزيمات) يؤثر كلّ واحد منها في نوع معين من الغذاء ، ولا يؤثر في الأنواع الأخرى .
27- تكون الجنين
وعملية تكوين الجنين في أي حيوان عملية مذهلة ، يكتفي العلم بملاحظة وشرح خطواتها ، ولكنّه يقف عاجزاً عن معرفة كنهها ، والقوى التي تدفع بها نحو هدف محدود هو تكون جنين لحيوان معين .
تبدأ هذه العملية بانجذاب الخلية الذكرية ( الحيوان المنوي للذكر ) نحو الخلية الأنثوية ( بويضة الأنثى ) فتتكون الخلية الملقحة ، وتبدأ الخلية الملقحة بعد ذلك في الانقسام بوساطة قوة عجيبة كامنة فيها ، فتصبح الخلية خليتين ، ثم أربع خلايا ، ثم ثماني خلايا ، وهكذا .. حتى يصل عدد الخلايا إلى حد معين ، فتصبح على هيئة كرة جوفاء جدارها مكون من طبقة واحدة من الخلايا ، ثم ينغمد نصف الكرة داخل النصف الآخر ، فتصبح ذات جدارين خلويين .
وفي معظم الحيوانات – ومنها الإنسان – تتكون بين الطبقتين طبقة خلوية ثالثة ، وتستمر الخلايا في الانقسام ، فتتكون من كلّ طبقة من الطبقات الثلاث أعضاء معينة .
فمن الطبقة الخارجية يتكون الجلد والجهاز العصبي ، وبعض أجزاء أخرى ، ومن الطبقة الوسطى تتكون العضلات والعظام ، ومن الطبقة الداخلية تتكون بعض أجزاء الجهاز الهضمي ، ويستمر انقسام الخلايا ، حتى يتم تكوين الجنين داخل الرحم في الحيوانات الثديية أو داخل البيضة في الحيوانات التي تبيض ، وعند اكتمال تكوين الجنين يلفظ الرحم ذلك الجنين خارج الجسم في الحيوانات الثديية ، ويكسر البيضة ويخرج منها في الحيوانات التي تضع بيضاً .
28- تركيب الأذن
وتركيب الأذن في الإنسان وفي عدد من الحيوانات الأخرى لا يمكن لأي عاقل أن يتصور حدوثه عن طريق المصادفة ، فللأذن طبلة تستقبل الموجات الصوتية فتتذبذب ، وهذه الذبذبات تؤثر في ثلاث عظام دقيقة مرتبة ترتيباً رائعاً . والضغط على جانبي الطبلة ينبغي أن يكون متساوياً ، ولهذا الغرض تمتد أنبوبة خلف الطبلة توصل إلى تجويف الأنف ، ويصل بالجزء الداخلي للأذن عظمة تشبه القوقعة في شكلها ، ووظيفتها تحليل الصوت ، وتمييز الأنغام المختلفة ، كما أنّ من وظيفتها أيضاً إحداث الاتزان ، إذ لولاها لما استطعنا أن نخطو خطوة واحدة دون أن نترنح ونسقط .
وتنتقل الذبذبات بعد ذلك عن طريق الأعصاب إلى مركز السمع بالمخ ، ليدرك الإنسان أو الحيوان سماع الأصوات المختلفة بعضها عن بعض . هل يمكن أن يحدث كل هذا في وقت واحد عن طريق المصادفة ؟ إن نظرية الاحتمالات في العلوم الرياضية تنفي إمكان ذلك نفياً قاطعاً .
29- ديدان الفلاريا
وتحدث في الكائنات الحية أشياء عجيبة ، لا تعد ولا تحصى ، تدلّ على وجود قوة عليا ترتب وتقدر لاستمرار بقاء الكائنات ، أشياء لا يمكن أن تحدث عن طريق المصادفة ، منها مثلاً : ما يحدث في دورة حياة الديدان التي تسبب المرض المسمى بمرض الفيل ، وهي التي نسميها ديدان (الفيلاريا) .
تغيض هذه الديدان في طورها الكامل في الأوعية اللمفاوية والغدد اللمفاوية للإنسان ، وتسد الأوعية اللمفاوية ، فتسبب تضخم بعض الأعضاء ، وعلى الأخص الساقين أو إحداهما ، حيث تصبح ساق الإنسان في حجم ساق الفيل .
وتتزاوج هذه الديدان في أثناء وجودها داخل الأوعية اللمفاوية للإنسان ، وتنتج ديداناً صغيرة تنتقل من الأوعية اللمفاوية إلى الأوعية الدموية ، وإذا بقيت هذه الديدان في الأوعية الدموية للإنسان فإنها تعجز أن إتمام دورة حياتها إذ لا بد لها من أن تنتقل إلى جسم بعض أنواع البعوض لكي تتم تلك الدورة ، وتصبح قادرة على عدوى الإنسان ، فإذا امتصت البعوضة دم إنسان مصاب فإنّها تمتص مع الدّم عدداً من هذه الديدان الصغيرة التي تنمو داخل جسم البعوض حتى يكتمل نموها ، وتصبح قادرة على عدوى الإنسان إذا حقنتها البعوضة في دمه في أثناء عملية امتصاصها لدم الإنسان الذي تتغذى عليه .
ولقد حاول العلماء الحصول على هذه الديدان من دم المصابين بهذا المرض ولكن جميع محاولاتهم كانت تبوء بالفشل إلى أن حدث شيء عجيب .
في إحدى الليالي كان أحد العلماء ساهراً في معمله حتى ساعة متأخرة من الليل ، فأخذ عينة من دم إنسان مصاب وفحصها تحت الميكروسكوب ، وفوجئ بعدد هائل من هذه الديدان في العينة التي أخذها ، وفي أثناء النهار في اليوم التالي أخذ عينة من المصاب نفسه فلم يجد للديدان أثراً ، احتار في تفسير هذه الظاهرة العجيبة ، لماذا توجد هذه الديدان في عينة الدم إذا أخذها من المصاب ليلاً ، ولا تظهر إذا أخذها نهاراً ؟
واتضح أنّ تلك الديدان الصغيرة تهرب إلى الأوعية الدموية الداخلية في أثناء النهار ، ثم تعود إلى الأوعية الدموية القريبة من سطح الجلد في أثناء الليل ، والحكمة من ذلك هي أنّ البعوض الذي يتغذى على دم الإنسان في هذه الأماكن لا ينشط إلا في أثناء الليل ؛ ولذا فإنّ الديدان تنتقل إلى الأوعية الدموية القريبة من سطح الجلد ؛ لكي يتمكن البعوض من امتصاصها مع الدم لتتم دورة حياتها داخل جسم البعوضة ، ومن الطبيعي أن هذه الديدان لا تدرك شيئاً ولا تعلم شيئاً عن البعوض التي ستتم دورة حياتها داخل جسمه ؛ بل تفعل هذا عن غريزة ، أي أنّ هناك قوة عليا تملي عليها هذا التصرف لكي تستمر حياتها .
ومن العجيب أنّه في الأماكن التي تنشط أنواع البعوض التي تمتص الدّم نهاراً ولا تنشط ليلاً نجد أنّ الديدان تفعل العكس ، حيث تبقى في الأوعية الدموية الداخلية ليلاً ، وتهاجر إلى الأوعية الدموية نهاراً ، ليتمكن البعوض في هذه الحالة أيضاً من امتصاصها مع الدم ، فهل من الممكن أن يحدث هذا عن طرق المصادفة ؟
30- مغناطيسية الأرض
إذا تركنا تركيب الكائنات الحية وما فيه من إعجاز تتيه فيه العقول ، وتأملنا في الكون الرحب وجدنا عجباً ، أولى هذه العجائب المغناطيسية الكامنة في الكرة الأرضية ، وهي التي تربطنا بالأرض ، وتمنعنا من أن نتبعثر في الفضاء في أثناء دورانها .
هذه المغناطيسية تختلف عن المغناطيسية التي نجدها في القضيب المغناطيسي ... ، إننا نعلم أنّ القضيب المغناطيسي قادر على جذب بعض الأشياء ، ولكنّه يعجز عن جذب أشياء أخرى كاللحم والورق والزجاج والحجارة والرمل والماء وغيرها .... ، ولكن مغناطيسية الأرض تجذب كلّ شيء ، تجذب أجسامنا ، وتجذب الزجاج والرمل والماء والحجارة والورق ، إذ لو لم تجذب الأرض إليها هذه الأشياء لما بقي على سطحها شيء .
31- أحجام الأجرام السماوية وأبعادها ومداراتها
ولقد ذكر (فردهويل) أستاذ الفلك بجامعة لندن في كتابه ( طبيعة الكون ) أن من الكواكب ما يبلغ حجماً مذهلاً لا يكاد يتصوره العقل ، إذ تبدو الكرة الأرضية بالنسبة لأحد هذه الكواكب العملاقة كحبة الرمل .
يقول العالم الأمريكي الكبير (كريستي موريسون) الرئيس السابق لأكاديمية العلوم بنيويورك : " إنّ وضع الأجرام السماوية ليس مجرد مصادفة عشواء ؛ بل هي موضوعة في الفضاء بحسبان ؛ إذ إن القمر مثلاً لو كان أقرب إلى الأرض بمقدار ربع المسافة التي تفصلنا عنه لأصبح المد والجزر عنيفين حيث يغرق المد جميع أجزاء اليابسة ، فتموت غرقاً جميع حيوانات اليابسة نتيجة لذلك ، كما أن محور الأرض لو لم يكن منحرفاً بمقدار نحو ثلاث وعشرين درجة لترتب على ذلك وجود ليل دائم عند القطبين ، وتكوّن من بخار ماء المحيطات كميات هائلة من الجليد تضغط على القطبين فيتفرطح خط الاستواء ، ويقل هطول الأمطار بدرجة تجعل الحياة مستحيلة على الكرة الأرضية .
وتبلغ سرعة دوران الأرض نحو ألف ميل في الساعة ، فلو فرضنا أنها تدور بسرعة مائة ميل في الساعة فقط ، لطال كل من الليل والنهار ، وترتب على ذلك أن جميع النباتات والحيوانات تحترق نهاراً من شدة الحرارة ، وتَتجمد ليلاً من شدة البرد " .
وفي كتاب ضخم للدكتور جود أستاذ الفلسفة بجامعة لندن تناول بالدراسة ضمن ما تناوله شتى احتمالات نشأة الكون ، ونشأة الحياة من الوجهة العلمية والفلسفية ، وخلص من هذه الدراسة المستفيضة إلى أن الكون لا بد أن يكون نشأ نتيجة لعملية خلق رائعة ، وصدق الله إذ يقول : ( سنريهم آيَاتِنَا في الأفاق وفي أنفسهم حتَّى يتبيَّن لهم أنَّه الحقُّ ) [فصلت : 53]