جملة من الصفات التي جاءت بها النصوص ( الجزء الثاني )
11 ، 12- نزوله – سبحانه – ومجيئه
عن أبي هريرة رضي الله عنه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( ينزل ربنا – تبارك وتعالى – كل ليلة إلى سماء الدّنيا ، حين يبقى ثلث الليل الآخر ، يقول : من يدعونِي فأستجيب له ، من يسألني فأعطيه ، من يستغفرني فأغفر له ) . (1)
وقد نصّ القرآن على أنّ الله يأتي يوم القيامة لفصل القضاء ( هل ينظرون إلاَّ أن يأتيهم الله في ظُلَلٍ من الْغَمَامِ والملائِكة وقضى الأمر ) [ البقرة : 210 ] ، ( كلاَّ إذا دُكَّت الأرض دكّاً دكّاً – وجاء ربُّك والملك صفّاً صفّاً ) [ الفجر : 21-22 ] .
وعن ابن مسعود – رضي الله عنه – عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( يجمع الله الأولين والآخرين لميقات يوم معلوم أربعين سنة ، شاخصة أبصارهم إلى السماء ينتظرون فصل القضاء ، وينزلُ الله في ظُللٍ من الغمامِ من العرش إلى الكُرسي ) . (2)
13- كلام الله
والله – سبحانه – يتكلم متى شاء كيف يشاء ، لا يشبه كلامه كلام المخلوقين ، وقد كلم الله بعض خلقه وكلموه ، منهم نبي الله موسى ( وكلَّم الله موسى تكليماً ) [النساء : 164 ] ، ( ولمَّا جاء موسى لِمِيقَاتِنَا وكلَّمهُ ربُّه ) [الأعراف : 143] .
وقد ذكر لنا الله ما دار بينه وبين موسى : ( قال رب أرني أنظر إليك قال لن تراني ولكن انظر إلى الجبل فإن استقرَّ مكانه فسوف تراني فلمَّا تجلَّى ربُّه للجبل جعله دكّاً وخرَّ موسى صعقاً فلمَّا أفاق قال سُبْحَانَكَ تبت إليك وأنا أول المؤمنين – قال يا موسى إنّي اصطفيتك على النَّاس بِرِسَالاَتِي وبكلامي فخذ ما آتَيْتُكَ وكن من الشَّاكرين ) [ الأعراف: 143-144] .
وكلم الله آدم وحواء ( وناداهما ربُّهما ألم أنهكما عن تلكما الشَّجرة وأقل لَّكما إنَّ الشَّيطان لكما عدوٌّ مُّبينٌ ) [ الأعراف : 22 ] .
ويكلم الله جبريل ، ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إنّ الله تبارك وتعالى إذا أحب عبداً نادى جبريل : إنّ الله أحبّ فلاناً فأحبه ، فيُحبهُ جبريل ، ثم ينادي جبريل في أهل السماء : إنّ الله قد أحب فلاناً فأحبوه ،فيحبه أهل السماء ،ويوضع له القبول في الأرض ) . (3)
وتسمع الملائكة ربهم حين يتكلم ، ففي الصحيح عن أبي هريرة يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : ( إذا قضى الله الأمر في السماء ضربت الملائكة بأجنحتها خُضعاناً لقوله ، كأنّه سلسلة على صفوان ، فإذا فزّع عن قلوبهم قالوا : ماذا قال ربكم ، قالوا : الحقّ ، وهو العلي الكبير ) . (4)
وهذا الحديث أورده البخاري تفسيراً لقوله تعالى : ( ولا تنفع الشَّفاعة عنده إلاَّ لمن أذن له حتَّى إذا فُزّع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربُّكم قالوا الحقَّ وهو العليُّ الكبير ) [سبأ : 23 ] .
فقد جعل البخاري هذه الآية باباً ، ثم قال : " ولم يقل ماذا خلق ربكم " ، وأورد في هذا الباب ما رواه مسروق عن ابن مسعود معلقاً موقوفاً عليه : " إذا تكلم الله بالوحي سمع أهل السماوات شيئاً ، فإذا فزع عن قلوبهم ، وسكن الصوت ، عرفوا أنه الحق ، ونادوا : ماذا قال ربكم " .
وأورد حديثاً معلقاً يرويه جابر عن عبد الله بن أنيس قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( يحشر الله العباد فيناديهم بصوت ، يسمعه من بَعُدَ ، كما يسمعه من قَرُبَ : أنا الملك أنا الديان ) . (5)
وقال البخاري في كتابه ( خلق أفعال العباد ) معلقاً على هذا الحديث : " في هذا دليل أن صوت الله لا يشبه أصوات الخلق ؛ لأن صوت الله جلّ ذكره يسمع مِن بُعْدٍ كما يُسمع من قُرْبٍ ، وأن الملائكة يصعقون من صوته " . (6)
ويتكلم الله – سبحانه – بصوت لا يشبه شيئاً من أصوات الخلق كما في الحديث الذي يرويه البخاري عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( يقول الله يا آدمُ ، فيقول : لبيك وسعديك ، فيُنَادِي بصوت : إنّ الله يأمرك أن تخرج من أمتك بعثاً إلى النار ) . (7)
وفي يوم القيامة يكلم الملائكة ( ويوم يحشرهم جميعاً ثمَّ يقول للملائِكة أهؤلاء إيّاكم كانوا يعبدون – قالوا سبحانك أنت وليُّنا من دونهم بل كانوا يعبدون الجِنَّ أكثرهم بهم مُّومنون ) [ سبأ : 40-41 ] .
ويخاطب الكفرة المكذبين مقرّعاً ومبكتاً ( ويوم نحشر من كل أمَّةٍ فوجاً مَّمَّن يكذّبُ بآياتنا فهم يوزعون – حتَّى إذا جَاؤُوا قال أكذَّبتم بآياتي ولم تحيطوا بها علماً أمَّاذا كنتم تعملون ) [ النمل : 83-84 ] .
ويخاطب الله أهل الجنة ويكلمهم ، فعن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إنّ الله يقول لأهل الجنة : يا أهل الجنة ، فيقولون : لبيك وسعديك والخير في يديك ، فيقول : هل رضيتم ؟ فيقولون : وما لنا لا نرضى يا رب وقد أعطيتنا ما لم تعط أحداً من خلقك . فيقول : ألا أعطيكم أفضل من ذلك ؟ فيقولون : يا رب ، وأيّ شيء أفضلُ من ذلك ؟ فيقول : أحل عليكمُ رضواني ، فلا أسخطُ عليكم بعدهُ أبداً ) . (
كلام الله لا يحصى ولا يستقصى :
قال الله تبارك وتعالى : ( قل لَّو كان البحر مداداً لكلمات ربّي لنفذ البحر قبل أن تنفذ كلمات ربّي ولو جئنا بمثله مدداً ) [ الكهف : 109 ] .
القرآن كلام الله حقيقة :
والقرآن كلام الله حقيقة لا شك في ذلك ، قال تعالى : ( وإن أحدٌ من المشركين استجارك فأجره حتَّى يسمع كلام الله ) [ التوبة : 6 ] ، وقال تعالى : ( سيقول المُخلَّفون إذا انطلقتم إلى مغانم لتأخذوها ذرونا نتَّبعكم يريدون أن يبدّلوا كلام الله قل لَّن تتَّبعونا كَذَلِكُمْ قال الله من قبل ) [ الفتح : 15 ] .
وقال تعالى : ( ولو أنَّما في الأرض من شجرةٍ أقلامٌ والبحر يمدُّه من بعده سبعة أبحرٍ مَّا نفذت كلمات الله ) [ لقمان : 27 ] .
يقول ابن كثير في تفسير هذه الآية (9) : " يقول الله تعالى مخبراً عن عظمته ، وكبريائه ، وجلاله ، وأسمائه الحسنى ، وصفاته العلا ، وكلماته التامة التي لا يحيط بها أحد ، ولا اطلاع لبشر على كنهها وإحصائها ، كما قال سيد البشر : ( لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك ) (10) فقال تعالى : ( ولو أنَّما في الأرض من شجرةٍ أقلامٌ ) [لقمان : 27] أي : ولو أنَّ جميع أشجار الأرض جعلت أقلاماً ، وجعل البحر مداداً ، ومدّه سبعة أبحر معه ، فكتبت بها كلمات الله تعالى الدالة على عظمته وصفاته وجلاله لتكسّرت الأقلام ، ونفد ماء البحر ، ولو جاء أمثالها مدداً " .
وقال الحسن البصري : " لو جعل شجر الأرض أقلاماً ، وجعل البحر مداداً ، وقال الله تعالى : إن من أمري كذا ، ومن أمري كذا ، لنفد ما في البحور ، وتكسّرت الأقلام " وصدق الله إذ يقول : ( وما أُوتيتم من العلم إلاَّ قليلاً ) [ الإسراء : 85 ] .
14- محبة الله
جاء في الكتاب والسنة أنّ الله تعالى يحب أفعالاً معينة ، كما يحب كلاماً معيناً ، ويحبّ بعض خلقه الذين اتصفوا بصفات خاصة بيّنها .
وما أخبرنا بذلك إلا لكي نبادر إلى الاتصاف بما يحبّه من الأخلاق ، والقيام بالأعمال التي يحبها ، والإكثار من ذكر الكلام الذي يحبه ، وبذلك يحبنا سبحانه وتعالى .
والله تعالى يحبّ المتقين : ( إنّ الله يحبُّ المتَّقين ) [ التوبة : 4 ] ، ويحب المحسنين : ( والله يحبُّ المحسنين) [ آل عمران : 146 ] ، ويحبّ التوابين والمتطهرين : ( إنَّ الله يحبُّ التَّوَّابين ويحبُّ المتطهّرين ) [ البقرة : 222 ] ، ويحب الصابرين : ( والله يحبُّ الصَّابرين ) [ آل عمران : 146 ] ، ويحب العادلين ( إنَّ الله يحبُّ المقسطين ) [ المائدة : 42 ] ، ويحب المتوكلين ( إنَّ الله يحبُّ المتوكلين ) [ آل عمران : 159 ] ، ويحب الذين يقاتلون في سبيله صفاً : ( إنَّ الله يحبُّ الَّذين يقاتلون في سبيله صفاً كأنَّهم بنيانٌ مَّرصوصٌ ) [الصف : 4] .
وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( كلمتان خفيفتان على اللسان ، ثقيلتان في الميزان ، حبيبتان إلى الرحمن ، سبحان الله وبحمده ، سبحان الله العظيم ) . (11)
وعن سمرة بن جندب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أَحبُّ الكلام إلى الله أربع : سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر ، لا يضُرّك بأيهن بدأت ) . (12)
وقال صلى الله عليه وسلم لأشج عبد القيس : ( إنّ فيك خَصلتين يُحبهما الله : الحلمُ ، والأناةُ ) . (13)
وعن عبادة بن الصامت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( من أحبّ لِقاء الله أحبّ الله لقاءهُ ، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءهُ ) . (14)
وجماع الأعمال والأخلاق والأقوال التي يحبها الله هو ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ، وما اتصف به عليه السلام ، ولذا فقد بيّن الله في آية جامعة أن السبيل إلى محبته هو اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم : ( قل إن كنتم تحبُّون الله فاتَّبعوني يحببكم الله) [ آل عمران : 31 ] .
15-16- كراهة الله وبغضه
هناك أعمال لا يحبها الله ، بل يكرهها ويبغضها ، وكراهيته وبغضه – سبحانه – حق على وجه يليق بذاته الكريمة ، من هذه الأعمال الفساد ( والله لا يحبُّ الفساد ) [ البقرة : 205 ] ، ولذا فإنّه ( لا يحبُّ المفسدين ) [ المائدة : 64 ] .
وجاء في النصوص أنّه لا يحب : الكافرين ، والظالمين ، والمسرفين ، والمستكبرين ، والمعتدين ، والخائنين ، والفرحين . ولا يحب كل مختال فخور ، وكفّار أثيم ، وخوّان أثيم . وفي القرآن ( ولكن كره الله انبعاثهم فثبَّطهم ) [ التوبة : 46 ] .
وسبق ذكر الحديث الذي فيه : ( ومن كره لِقاء الله كَره الله لقاءهُ ) . (15)
وعن عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أبغض الرجال إلى الله الألدّ الخَصِمُ ) . (16)
وعن البراء بن عازب أنّه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في الأنصار : ( من أحبهم أحبه الله ، ومن أبغضهم أبغضه الله ) . (17)
17- رؤية الله
لا يُرى الله في الدنيا ، وقد طمع موسى في رؤية الله ، فأخبره ربّه أنّه لن يراه في الدّنيا ، ولا يستطيع ذلك ، بل الجبل القويّ الصلد لا يطيق ذلك ( ولمَّا جاء موسى لميقاتنا وكلَّمه ربُّه قال رب أرني أنظر إليك قال لن تراني ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوق تراني فلمَّا تجلَّى ربُّه للجبل جعله دكّاً وخرَّ موسى صَعِقاً ) [ الأعراف : 143 ] .
وقد اختلف العلماء في رؤية الرسول صلى الله عليه وسلم ربّه حين عُرج به إلى السماء ، والصحيح أنّه لم ير ربّه في المعراج ، وقد صحّ عن عائشة – رضي الله عنها – أنها قالت : ( ومن زعم أنّ محمداً صلى الله عليه وسلم رأى ربّه فقد أعظم على الله الفرية) . (18)
هذا في الدنيا ، أمّا في الآخرة فالأمر مختلف ، فإنّ العباد يخلقون خلقاً جديداً ، ألا ترى أنّ الشمس تدنو من رؤوس الناس في يوم القيامة حتى لا يكون بينها وبينهم إلا ميل واحد ، ومع ذلك فلا يذوبون ولا ينصهرون ! ألا ترى أنّ الناس بعد البعث والنشور غير قابلين للموت ! بل يدخل الكفار النّار كلما نضجت جلودهم بدّلهم الله جلوداً غيرها ليذوقوا العذاب ، أمّا الموت فلا .
نعم في يوم القيامة يطيق المؤمنون رؤية ربهم ، بل إنّ أعظم نعيم يعطاه العباد في الجنّة هو النظر إلى وجه ربهم العظيم الكريم سبحانه .
هذا النعيم العظيم يحرمه الكفار ( كلاَّ إنَّهم عن رَّبهم يومئذٍ لَّمحجوبون ) [المطففين: 15] أما الذين اصطفاهم الله وحسَّن وجوههم فلا يحجبون ، ( وجوهٌ يومئذٍ ناضرةٌ ) [القيامة : 22] وهؤلاء هم الأبرار ( إنَّ الأبرار لفي نعيمٍ – على الأرائِك ينظرون ) [المطففين : 22-23] ، وهذا النظر إلى وجهه الكريم هو الزيادة التي وُعد بها المؤمنون ( للَّذين أحسنوا الحسنى وزيادةٌ ) [ يونس : 26 ] .
وهو المزيد المذكور في هذه الآية : ( لهم مَّا يشاءون فيها ولدينا مزيدٌ ) [ق : 35] .
وقد جاءت الأحاديث المتواترة مصرّحة بذلك غاية التصريح ، ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه : أنّ ناساً قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم : يا رسول الله هل نرى ربّنا يوم القيامة ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( هل تُضارّونَ في رؤية القمر ليلة البدر ؟ ) قالوا : لا ، يا رسول الله ، قال : ( هل تُضارّونَ في رؤية الشمس ليس دُونها سحابٌ ؟ ) قالوا : لا ، يا رسول الله ، قال : ( فإنّكُم ترونه كذلك ) . (19)
وفي الصحيح عن جرير بن عبد الله رضي الله عنه ، قال : ( كنا جلوساً عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ نظر إلى القمر ليلة البدر ، فقال : ( إنّكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر لا تضامّون ، فإنْ استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس ، وصلاة قبل غروب الشمس فافعلوا ) . (20)
وفي صحيح مسلم عن صهيب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إذا دخل أهلُ الجنة ، يقول الله تبارك وتعالى : تريدُون شيئاً أزيدكم ؟ يقولون : ألم تُبيضْ وُجُوهنا ؟ ألم تُدخلنا الجنة وتُنْجِنا مِنَ النّار ؟ ) قال : فيكشفُ الحجاب ، فما أعطوا شيئاً أحب إليهم من النظر إلى ربهم عزّ وجلّ ، ثمّ تَلا هذه الآية : ( للَّذين أحسنوا الحسنى وزيادةٌ ) [ يونس : 26 ] . (21)
وفي الصحيحين عن أبي موسى – رضي الله عنه – عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( جنّتان من فضة آنيتُهُما وما فيهما ، وجنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما ، وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربّهم إلا رداءُ الكبرياء على وجهه في جنة عدنٍ ) . (22)
18- علم الله
ونعلم أن الله – سبحانه – متصف بصفة العلم ، وقد سمى نفسه – سبحانه – بعدة أسماء تفيد هذه الصفة ، منها ( العليم ) ( إنَّه هو السَّميع العليم ) [ الشعراء : 220 ] ، ومنها : ( الخبير ) ويختص بأن يعلم ما يكون قبل أن يكون . ومنها ( الحكيم ) ويختص بأن يعلم دقائق الأوصاف . ومنها : ( الشهيد ) ويختص بأن يعلم الغائب والحاضر . ومعناه أنّه لا يغيب عنه شيء . ومنها ( الحافظ ) ويختص بأنّه لا ينسى ما علم . ومنها ( المحصي ) ويختص بأنه لا تشغله الكثرة عن العلم مثل ضوء النور ، واشتداد الريح ، وتساقط الأوراق ، فيعلم عند ذلك عدد أجزاء الحركات في كل ورقة .
علمه تعالى شامل للكليات والجزئيات :
زعم الفلاسفة أنّ الله يعلم الكليات ، ولا يعلم الجزئيات ، وكذبوا في قولهم ، فعلم الله محيط شامل لا تخفى عليه خافية من الأرض ، ولا في السماء ، يعلم كل حركة في برّ أو بحر ، فما من ورقة تسقط من شجرة ، أو حبّة تندثر في الرمال ، أو نبتة صغيرة تشق الأرض ، أو نبتة تيبس أو تموت إلا وعلم الله محيط بها ( ويعلم ما في البرّ والبحر وما تسقط من ورقةٍ إلاَّ يعلمها ولا حبَّةٍ في ظُلُمَاتِ الأرض ولا رطبٍ ولا يابسٍ إلاَّ في كتاب مُّبينٍ ) [الأنعام : 59] .
وهذه الأعداد التي لا حصر لها من الدواب لا يخفى على الله منها شيء ( وما من دابَّةٍ في الأرض إلاَّ على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كلٌ في كتابٍ مُّبينٍ ) [هود: 6] ، وليس من شيء يصل إلى الأرض ، أو يصعد من الأرض إلى السماء إلا وقد أحاط الله به علماً ( يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السَّماء وما يعرج فيها وهو الرَّحيم الغفور ) [ سبأ : 2 ] .
وهذا الإنسان لا يخفى على الله منه شيء ، فعلم الله به محيط يعلم عمله البادي الظاهر، ويعلم ما استكن في أعماق نفسه ، ( قل إن تخفوا ما في صدوركم أو تبدوه يعلمه الله ) [ آل عمران : 29 ] ،( وهو الله في السَّماوات وفي الأرض يعلم سرَّكم وجهركم ) [ الأنعام : 3 ] ، وهو علم محيط بالجزئيات من أمور الإنسان ( وما تكون في شأنٍ وما تتلوا منه من قرآنٍ ولا تعملون من عملٍ إلاَّ كُنَّا عليكم شهوداً إذ تفيضون فيه) [ يونس : 61 ] .
وانظر إلى هذا العلم الذي لا تفلت منه الذرة الصغيرة ( يا بنيَّ إنَّها إن تَكُ مثقال حبَّةٍ من خردلٍ فتكن في صخرةٍ أو في السَّماوات أو في الأرض يأت بها الله إنَّ الله لطيف خبيرٌ) [ لقمان : 16 ] .
لقد استوى في علم الله السرّ والعلانية ، والصغير والكبير ، والغيب والشهادة : ( الله يعلم ما تحمل كلُّ أنثى وما تغيض الأرحام وما تزداد وكلُّ شيءٍ عنده بمقدارٍ – عالم الغيب والشَّهادة الكبير المتعال – سواءٌ منكم مَّن أسرَّ القول ومن جهر به ومن هو مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وسارب بالنَّهار ) [ الرعد : 8-10 ] .
وصدق الله إذ يقول : ( وما يعزب عن رَّبّك من مثقال ذرَّةٍ في الأرض ولا في السَّماء ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلاَّ في كتابٍ مُّبينٍ ) [ يونس : 61 ] .
19 ، 20- حياته وقيوميته سبحانه
وهو حيّ حياة أزلية ( هو الحيُّ لا إله إلاَّ هو ) [ غافر : 65 ] وحياته منافية لحياة الأحياء من الخلق فكلهم يموت ويفنى ، ولا يبقى إلا الله سبحانه : ( كلُّ من عليها فانٍ – ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام ) [ الرحمن : 26-27 ] .
وفي الصحيح عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول : ( أعوذ بعزّتِك الذي لا إله إلا أنت الذي لا يموت والجنّ والأنسُ يموتُون ) . (23)
ومن كان كذلك فهو الذي يستحق أن يعتمد عليه ويتوكل عليه ( وتوكَّل على الحيّ الَّذي لا يموت ) [ الفرقان : 58 ] .
وهو قيوم سبحانه فهو قيوم مقيم لغيره ، وجميع المخلوقات مفتقرة إليه ، ولا قوام لها بدونه : ( ومن آيَاتِهِ أن تقوم السمَّاء والأرض بأمره ) [ الروم : 25 ] .
جمعه – سبحانه – بين هذين الاسمين :
وقد جمع – سبحانه – في أكثر من آية بين هذين الاسمين ( الله لا إله إلاَّ هو الحيُّ القيُّوم ) [ آل عمران : 2 ] .
من تمام حياته وقيوميته :
ومن تمام حياته وقيوميته – سبحانه – أنّه لا ينام ( الله لا إله إلاَّ هو الحيُّ القيُّوم لا تأخذه سنةٌ ولا نومٌ ) [ البقرة : 255 ] ، والسنة : أوائل النوم ، والسنة والنوم نقص يتنزه الخالق عنهما ، ففي صحيح مسلم عن أبي موسى – رضي الله عنه – قال : قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بخمس كلمات ، فقال : ( إنّ الله – عزّ وجلّ – لا ينام ، ولا ينبغي له أن ينام ، يخفض القسط ويرفعه ، يُرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار ، وعمل النّهار قبل عمل الليل ) . (24)
تمجيده تعالى بذكر حياته وقيوميته :
وقد مجّد نفسه – سبحانه – بوصف نفسه بالحياة والقيومية ، كما سبق في النصوص التي ذكرناها ، وقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يمجد ربّه بذكر هذه الصفات ، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل يتهجد قال : ( اللهمّ لك الحمد ، أنت قيم السماوات والأرض ومن فيهن ، ولك الحمدُ ، لَكَ مُلْك السماوات والأرض ومن فيهن ، ولك الحمد ، أنت نُور السماوات والأرض ، ولك الحمد أنت ملك السماوات والأرض ... ) . (25)
21 ، 22- سمعه وبصره – سبحانه وتعالى –
وهاتان الصفتان ثابتتان لله تعالى بنصّ القرآن ( ليس كمثله شيءٌ وهو السَّميع البصير) [ الشورى : 11 ] ، ( ذلك بأنَّ الله يولج الَّليل في النَّهار ويولج النَّهار في الَّليل وأنَّ الله سميع بصيرٌ ) [ الحج : 61 ] .
وقال لموسى وهارون : ( إنَّني معكما أسمع وأرى ) [ طه : 46 ] .
عِظَم سمع الله وبصره :
يقول تعالى : ( قل الله أعلم بما لبثوا له غيب السَّماوات والأرض أبصر به وأسمع ) [الكهف : 26] ، قال ابن جرير : " وذلك في معنى المبالغة في المدح كأنّه قيل : ما أبصره وأسمعه ، وتأويل الكلام : ما أبصر الله لكل موجود ، وأسمعه لكل مسموع ، لا يخفى عليه من ذلك شيء " . (26)
وهو يسمع ويرى الصالحين ، فيثيبهم ( الَّذي يراك حين تقوم - وتقلُّبك في السَّاجدين – إنَّه هو السَّميع العليم ) [ الشعراء : 218-220 ] .
وهو – سبحانه – يرى الطالحين فيجزيهم ( لَّقد سمع الله قول الَّذين قالوا إنَّ الله فقيرٌ ونحن أغنياء سنكتب ما قالوا وقتلهم الأنبياء بغير حقٍ ونقول ذوقوا عذاب الحريق ) [آل عمران : 181 ] .
تقول عائشة – رضي الله عنها – مبينة سعة سمع الله : " الحمد لله الذي وسع سمعه الأصوات " (27) ، لقد جاءت المجادلة إلى النبي صلى الله عليه وسلم تكلمه في جانب البيت ما أسمع ما تقول ، فأنزل الله عزّ وجلّ : ( قد سمع الله قول الَّتي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله والله يسمع تحاوركما إنَّ الله سميع بصير ) [ المجادلة : 1 ] . (28)
وفي صحيح البخاري عن أبي موسى الأشعري – رضي الله عنه – قال : كنّا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر ، فكنّا إذا علونا كبرنا ، فقال : ( أربِعُوا على أنفُسِكُمْ ، فإنّكُم لا تدْعُونَ أصمّ ولا غائِباً ، تدعون سميعاً بصيراً قريباً ) . (29)
جهل المشركين بنفاذ سمع الله :
روى البخاري في صحيحه عن عبد الله – رضي الله عنه – قال : اجتمع عند البيت ( الكعبة ) ثقفيان وقرشي ، أو قرشيان وثقفي ، كثيرةٌ شحم بطونِهم ، قليلة فقه قلوبِهم ، فقال أحدهم : أترون أنّ الله يسمع ما نقول ؟ قال الآخر : يسمع إن جهرنا ، ولا يسمع إن أخفينا ، وقال الآخر : إن كان يسمع إذا جهرنا فإنّه يسمع إذا أخفينا ، فأنزل الله – عزّ وجلّ – ( وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم ولا جلودكم ولكن ظننتم أنّ الله لا يعلم كثيراً مّمَّا تعملون ) [ فصلت : 22 ]
11 ، 12- نزوله – سبحانه – ومجيئه
عن أبي هريرة رضي الله عنه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( ينزل ربنا – تبارك وتعالى – كل ليلة إلى سماء الدّنيا ، حين يبقى ثلث الليل الآخر ، يقول : من يدعونِي فأستجيب له ، من يسألني فأعطيه ، من يستغفرني فأغفر له ) . (1)
وقد نصّ القرآن على أنّ الله يأتي يوم القيامة لفصل القضاء ( هل ينظرون إلاَّ أن يأتيهم الله في ظُلَلٍ من الْغَمَامِ والملائِكة وقضى الأمر ) [ البقرة : 210 ] ، ( كلاَّ إذا دُكَّت الأرض دكّاً دكّاً – وجاء ربُّك والملك صفّاً صفّاً ) [ الفجر : 21-22 ] .
وعن ابن مسعود – رضي الله عنه – عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( يجمع الله الأولين والآخرين لميقات يوم معلوم أربعين سنة ، شاخصة أبصارهم إلى السماء ينتظرون فصل القضاء ، وينزلُ الله في ظُللٍ من الغمامِ من العرش إلى الكُرسي ) . (2)
13- كلام الله
والله – سبحانه – يتكلم متى شاء كيف يشاء ، لا يشبه كلامه كلام المخلوقين ، وقد كلم الله بعض خلقه وكلموه ، منهم نبي الله موسى ( وكلَّم الله موسى تكليماً ) [النساء : 164 ] ، ( ولمَّا جاء موسى لِمِيقَاتِنَا وكلَّمهُ ربُّه ) [الأعراف : 143] .
وقد ذكر لنا الله ما دار بينه وبين موسى : ( قال رب أرني أنظر إليك قال لن تراني ولكن انظر إلى الجبل فإن استقرَّ مكانه فسوف تراني فلمَّا تجلَّى ربُّه للجبل جعله دكّاً وخرَّ موسى صعقاً فلمَّا أفاق قال سُبْحَانَكَ تبت إليك وأنا أول المؤمنين – قال يا موسى إنّي اصطفيتك على النَّاس بِرِسَالاَتِي وبكلامي فخذ ما آتَيْتُكَ وكن من الشَّاكرين ) [ الأعراف: 143-144] .
وكلم الله آدم وحواء ( وناداهما ربُّهما ألم أنهكما عن تلكما الشَّجرة وأقل لَّكما إنَّ الشَّيطان لكما عدوٌّ مُّبينٌ ) [ الأعراف : 22 ] .
ويكلم الله جبريل ، ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إنّ الله تبارك وتعالى إذا أحب عبداً نادى جبريل : إنّ الله أحبّ فلاناً فأحبه ، فيُحبهُ جبريل ، ثم ينادي جبريل في أهل السماء : إنّ الله قد أحب فلاناً فأحبوه ،فيحبه أهل السماء ،ويوضع له القبول في الأرض ) . (3)
وتسمع الملائكة ربهم حين يتكلم ، ففي الصحيح عن أبي هريرة يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : ( إذا قضى الله الأمر في السماء ضربت الملائكة بأجنحتها خُضعاناً لقوله ، كأنّه سلسلة على صفوان ، فإذا فزّع عن قلوبهم قالوا : ماذا قال ربكم ، قالوا : الحقّ ، وهو العلي الكبير ) . (4)
وهذا الحديث أورده البخاري تفسيراً لقوله تعالى : ( ولا تنفع الشَّفاعة عنده إلاَّ لمن أذن له حتَّى إذا فُزّع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربُّكم قالوا الحقَّ وهو العليُّ الكبير ) [سبأ : 23 ] .
فقد جعل البخاري هذه الآية باباً ، ثم قال : " ولم يقل ماذا خلق ربكم " ، وأورد في هذا الباب ما رواه مسروق عن ابن مسعود معلقاً موقوفاً عليه : " إذا تكلم الله بالوحي سمع أهل السماوات شيئاً ، فإذا فزع عن قلوبهم ، وسكن الصوت ، عرفوا أنه الحق ، ونادوا : ماذا قال ربكم " .
وأورد حديثاً معلقاً يرويه جابر عن عبد الله بن أنيس قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( يحشر الله العباد فيناديهم بصوت ، يسمعه من بَعُدَ ، كما يسمعه من قَرُبَ : أنا الملك أنا الديان ) . (5)
وقال البخاري في كتابه ( خلق أفعال العباد ) معلقاً على هذا الحديث : " في هذا دليل أن صوت الله لا يشبه أصوات الخلق ؛ لأن صوت الله جلّ ذكره يسمع مِن بُعْدٍ كما يُسمع من قُرْبٍ ، وأن الملائكة يصعقون من صوته " . (6)
ويتكلم الله – سبحانه – بصوت لا يشبه شيئاً من أصوات الخلق كما في الحديث الذي يرويه البخاري عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( يقول الله يا آدمُ ، فيقول : لبيك وسعديك ، فيُنَادِي بصوت : إنّ الله يأمرك أن تخرج من أمتك بعثاً إلى النار ) . (7)
وفي يوم القيامة يكلم الملائكة ( ويوم يحشرهم جميعاً ثمَّ يقول للملائِكة أهؤلاء إيّاكم كانوا يعبدون – قالوا سبحانك أنت وليُّنا من دونهم بل كانوا يعبدون الجِنَّ أكثرهم بهم مُّومنون ) [ سبأ : 40-41 ] .
ويخاطب الكفرة المكذبين مقرّعاً ومبكتاً ( ويوم نحشر من كل أمَّةٍ فوجاً مَّمَّن يكذّبُ بآياتنا فهم يوزعون – حتَّى إذا جَاؤُوا قال أكذَّبتم بآياتي ولم تحيطوا بها علماً أمَّاذا كنتم تعملون ) [ النمل : 83-84 ] .
ويخاطب الله أهل الجنة ويكلمهم ، فعن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إنّ الله يقول لأهل الجنة : يا أهل الجنة ، فيقولون : لبيك وسعديك والخير في يديك ، فيقول : هل رضيتم ؟ فيقولون : وما لنا لا نرضى يا رب وقد أعطيتنا ما لم تعط أحداً من خلقك . فيقول : ألا أعطيكم أفضل من ذلك ؟ فيقولون : يا رب ، وأيّ شيء أفضلُ من ذلك ؟ فيقول : أحل عليكمُ رضواني ، فلا أسخطُ عليكم بعدهُ أبداً ) . (
كلام الله لا يحصى ولا يستقصى :
قال الله تبارك وتعالى : ( قل لَّو كان البحر مداداً لكلمات ربّي لنفذ البحر قبل أن تنفذ كلمات ربّي ولو جئنا بمثله مدداً ) [ الكهف : 109 ] .
القرآن كلام الله حقيقة :
والقرآن كلام الله حقيقة لا شك في ذلك ، قال تعالى : ( وإن أحدٌ من المشركين استجارك فأجره حتَّى يسمع كلام الله ) [ التوبة : 6 ] ، وقال تعالى : ( سيقول المُخلَّفون إذا انطلقتم إلى مغانم لتأخذوها ذرونا نتَّبعكم يريدون أن يبدّلوا كلام الله قل لَّن تتَّبعونا كَذَلِكُمْ قال الله من قبل ) [ الفتح : 15 ] .
وقال تعالى : ( ولو أنَّما في الأرض من شجرةٍ أقلامٌ والبحر يمدُّه من بعده سبعة أبحرٍ مَّا نفذت كلمات الله ) [ لقمان : 27 ] .
يقول ابن كثير في تفسير هذه الآية (9) : " يقول الله تعالى مخبراً عن عظمته ، وكبريائه ، وجلاله ، وأسمائه الحسنى ، وصفاته العلا ، وكلماته التامة التي لا يحيط بها أحد ، ولا اطلاع لبشر على كنهها وإحصائها ، كما قال سيد البشر : ( لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك ) (10) فقال تعالى : ( ولو أنَّما في الأرض من شجرةٍ أقلامٌ ) [لقمان : 27] أي : ولو أنَّ جميع أشجار الأرض جعلت أقلاماً ، وجعل البحر مداداً ، ومدّه سبعة أبحر معه ، فكتبت بها كلمات الله تعالى الدالة على عظمته وصفاته وجلاله لتكسّرت الأقلام ، ونفد ماء البحر ، ولو جاء أمثالها مدداً " .
وقال الحسن البصري : " لو جعل شجر الأرض أقلاماً ، وجعل البحر مداداً ، وقال الله تعالى : إن من أمري كذا ، ومن أمري كذا ، لنفد ما في البحور ، وتكسّرت الأقلام " وصدق الله إذ يقول : ( وما أُوتيتم من العلم إلاَّ قليلاً ) [ الإسراء : 85 ] .
14- محبة الله
جاء في الكتاب والسنة أنّ الله تعالى يحب أفعالاً معينة ، كما يحب كلاماً معيناً ، ويحبّ بعض خلقه الذين اتصفوا بصفات خاصة بيّنها .
وما أخبرنا بذلك إلا لكي نبادر إلى الاتصاف بما يحبّه من الأخلاق ، والقيام بالأعمال التي يحبها ، والإكثار من ذكر الكلام الذي يحبه ، وبذلك يحبنا سبحانه وتعالى .
والله تعالى يحبّ المتقين : ( إنّ الله يحبُّ المتَّقين ) [ التوبة : 4 ] ، ويحب المحسنين : ( والله يحبُّ المحسنين) [ آل عمران : 146 ] ، ويحبّ التوابين والمتطهرين : ( إنَّ الله يحبُّ التَّوَّابين ويحبُّ المتطهّرين ) [ البقرة : 222 ] ، ويحب الصابرين : ( والله يحبُّ الصَّابرين ) [ آل عمران : 146 ] ، ويحب العادلين ( إنَّ الله يحبُّ المقسطين ) [ المائدة : 42 ] ، ويحب المتوكلين ( إنَّ الله يحبُّ المتوكلين ) [ آل عمران : 159 ] ، ويحب الذين يقاتلون في سبيله صفاً : ( إنَّ الله يحبُّ الَّذين يقاتلون في سبيله صفاً كأنَّهم بنيانٌ مَّرصوصٌ ) [الصف : 4] .
وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( كلمتان خفيفتان على اللسان ، ثقيلتان في الميزان ، حبيبتان إلى الرحمن ، سبحان الله وبحمده ، سبحان الله العظيم ) . (11)
وعن سمرة بن جندب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أَحبُّ الكلام إلى الله أربع : سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر ، لا يضُرّك بأيهن بدأت ) . (12)
وقال صلى الله عليه وسلم لأشج عبد القيس : ( إنّ فيك خَصلتين يُحبهما الله : الحلمُ ، والأناةُ ) . (13)
وعن عبادة بن الصامت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( من أحبّ لِقاء الله أحبّ الله لقاءهُ ، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءهُ ) . (14)
وجماع الأعمال والأخلاق والأقوال التي يحبها الله هو ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ، وما اتصف به عليه السلام ، ولذا فقد بيّن الله في آية جامعة أن السبيل إلى محبته هو اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم : ( قل إن كنتم تحبُّون الله فاتَّبعوني يحببكم الله) [ آل عمران : 31 ] .
15-16- كراهة الله وبغضه
هناك أعمال لا يحبها الله ، بل يكرهها ويبغضها ، وكراهيته وبغضه – سبحانه – حق على وجه يليق بذاته الكريمة ، من هذه الأعمال الفساد ( والله لا يحبُّ الفساد ) [ البقرة : 205 ] ، ولذا فإنّه ( لا يحبُّ المفسدين ) [ المائدة : 64 ] .
وجاء في النصوص أنّه لا يحب : الكافرين ، والظالمين ، والمسرفين ، والمستكبرين ، والمعتدين ، والخائنين ، والفرحين . ولا يحب كل مختال فخور ، وكفّار أثيم ، وخوّان أثيم . وفي القرآن ( ولكن كره الله انبعاثهم فثبَّطهم ) [ التوبة : 46 ] .
وسبق ذكر الحديث الذي فيه : ( ومن كره لِقاء الله كَره الله لقاءهُ ) . (15)
وعن عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أبغض الرجال إلى الله الألدّ الخَصِمُ ) . (16)
وعن البراء بن عازب أنّه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في الأنصار : ( من أحبهم أحبه الله ، ومن أبغضهم أبغضه الله ) . (17)
17- رؤية الله
لا يُرى الله في الدنيا ، وقد طمع موسى في رؤية الله ، فأخبره ربّه أنّه لن يراه في الدّنيا ، ولا يستطيع ذلك ، بل الجبل القويّ الصلد لا يطيق ذلك ( ولمَّا جاء موسى لميقاتنا وكلَّمه ربُّه قال رب أرني أنظر إليك قال لن تراني ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوق تراني فلمَّا تجلَّى ربُّه للجبل جعله دكّاً وخرَّ موسى صَعِقاً ) [ الأعراف : 143 ] .
وقد اختلف العلماء في رؤية الرسول صلى الله عليه وسلم ربّه حين عُرج به إلى السماء ، والصحيح أنّه لم ير ربّه في المعراج ، وقد صحّ عن عائشة – رضي الله عنها – أنها قالت : ( ومن زعم أنّ محمداً صلى الله عليه وسلم رأى ربّه فقد أعظم على الله الفرية) . (18)
هذا في الدنيا ، أمّا في الآخرة فالأمر مختلف ، فإنّ العباد يخلقون خلقاً جديداً ، ألا ترى أنّ الشمس تدنو من رؤوس الناس في يوم القيامة حتى لا يكون بينها وبينهم إلا ميل واحد ، ومع ذلك فلا يذوبون ولا ينصهرون ! ألا ترى أنّ الناس بعد البعث والنشور غير قابلين للموت ! بل يدخل الكفار النّار كلما نضجت جلودهم بدّلهم الله جلوداً غيرها ليذوقوا العذاب ، أمّا الموت فلا .
نعم في يوم القيامة يطيق المؤمنون رؤية ربهم ، بل إنّ أعظم نعيم يعطاه العباد في الجنّة هو النظر إلى وجه ربهم العظيم الكريم سبحانه .
هذا النعيم العظيم يحرمه الكفار ( كلاَّ إنَّهم عن رَّبهم يومئذٍ لَّمحجوبون ) [المطففين: 15] أما الذين اصطفاهم الله وحسَّن وجوههم فلا يحجبون ، ( وجوهٌ يومئذٍ ناضرةٌ ) [القيامة : 22] وهؤلاء هم الأبرار ( إنَّ الأبرار لفي نعيمٍ – على الأرائِك ينظرون ) [المطففين : 22-23] ، وهذا النظر إلى وجهه الكريم هو الزيادة التي وُعد بها المؤمنون ( للَّذين أحسنوا الحسنى وزيادةٌ ) [ يونس : 26 ] .
وهو المزيد المذكور في هذه الآية : ( لهم مَّا يشاءون فيها ولدينا مزيدٌ ) [ق : 35] .
وقد جاءت الأحاديث المتواترة مصرّحة بذلك غاية التصريح ، ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه : أنّ ناساً قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم : يا رسول الله هل نرى ربّنا يوم القيامة ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( هل تُضارّونَ في رؤية القمر ليلة البدر ؟ ) قالوا : لا ، يا رسول الله ، قال : ( هل تُضارّونَ في رؤية الشمس ليس دُونها سحابٌ ؟ ) قالوا : لا ، يا رسول الله ، قال : ( فإنّكُم ترونه كذلك ) . (19)
وفي الصحيح عن جرير بن عبد الله رضي الله عنه ، قال : ( كنا جلوساً عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ نظر إلى القمر ليلة البدر ، فقال : ( إنّكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر لا تضامّون ، فإنْ استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس ، وصلاة قبل غروب الشمس فافعلوا ) . (20)
وفي صحيح مسلم عن صهيب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إذا دخل أهلُ الجنة ، يقول الله تبارك وتعالى : تريدُون شيئاً أزيدكم ؟ يقولون : ألم تُبيضْ وُجُوهنا ؟ ألم تُدخلنا الجنة وتُنْجِنا مِنَ النّار ؟ ) قال : فيكشفُ الحجاب ، فما أعطوا شيئاً أحب إليهم من النظر إلى ربهم عزّ وجلّ ، ثمّ تَلا هذه الآية : ( للَّذين أحسنوا الحسنى وزيادةٌ ) [ يونس : 26 ] . (21)
وفي الصحيحين عن أبي موسى – رضي الله عنه – عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( جنّتان من فضة آنيتُهُما وما فيهما ، وجنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما ، وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربّهم إلا رداءُ الكبرياء على وجهه في جنة عدنٍ ) . (22)
18- علم الله
ونعلم أن الله – سبحانه – متصف بصفة العلم ، وقد سمى نفسه – سبحانه – بعدة أسماء تفيد هذه الصفة ، منها ( العليم ) ( إنَّه هو السَّميع العليم ) [ الشعراء : 220 ] ، ومنها : ( الخبير ) ويختص بأن يعلم ما يكون قبل أن يكون . ومنها ( الحكيم ) ويختص بأن يعلم دقائق الأوصاف . ومنها : ( الشهيد ) ويختص بأن يعلم الغائب والحاضر . ومعناه أنّه لا يغيب عنه شيء . ومنها ( الحافظ ) ويختص بأنّه لا ينسى ما علم . ومنها ( المحصي ) ويختص بأنه لا تشغله الكثرة عن العلم مثل ضوء النور ، واشتداد الريح ، وتساقط الأوراق ، فيعلم عند ذلك عدد أجزاء الحركات في كل ورقة .
علمه تعالى شامل للكليات والجزئيات :
زعم الفلاسفة أنّ الله يعلم الكليات ، ولا يعلم الجزئيات ، وكذبوا في قولهم ، فعلم الله محيط شامل لا تخفى عليه خافية من الأرض ، ولا في السماء ، يعلم كل حركة في برّ أو بحر ، فما من ورقة تسقط من شجرة ، أو حبّة تندثر في الرمال ، أو نبتة صغيرة تشق الأرض ، أو نبتة تيبس أو تموت إلا وعلم الله محيط بها ( ويعلم ما في البرّ والبحر وما تسقط من ورقةٍ إلاَّ يعلمها ولا حبَّةٍ في ظُلُمَاتِ الأرض ولا رطبٍ ولا يابسٍ إلاَّ في كتاب مُّبينٍ ) [الأنعام : 59] .
وهذه الأعداد التي لا حصر لها من الدواب لا يخفى على الله منها شيء ( وما من دابَّةٍ في الأرض إلاَّ على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كلٌ في كتابٍ مُّبينٍ ) [هود: 6] ، وليس من شيء يصل إلى الأرض ، أو يصعد من الأرض إلى السماء إلا وقد أحاط الله به علماً ( يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السَّماء وما يعرج فيها وهو الرَّحيم الغفور ) [ سبأ : 2 ] .
وهذا الإنسان لا يخفى على الله منه شيء ، فعلم الله به محيط يعلم عمله البادي الظاهر، ويعلم ما استكن في أعماق نفسه ، ( قل إن تخفوا ما في صدوركم أو تبدوه يعلمه الله ) [ آل عمران : 29 ] ،( وهو الله في السَّماوات وفي الأرض يعلم سرَّكم وجهركم ) [ الأنعام : 3 ] ، وهو علم محيط بالجزئيات من أمور الإنسان ( وما تكون في شأنٍ وما تتلوا منه من قرآنٍ ولا تعملون من عملٍ إلاَّ كُنَّا عليكم شهوداً إذ تفيضون فيه) [ يونس : 61 ] .
وانظر إلى هذا العلم الذي لا تفلت منه الذرة الصغيرة ( يا بنيَّ إنَّها إن تَكُ مثقال حبَّةٍ من خردلٍ فتكن في صخرةٍ أو في السَّماوات أو في الأرض يأت بها الله إنَّ الله لطيف خبيرٌ) [ لقمان : 16 ] .
لقد استوى في علم الله السرّ والعلانية ، والصغير والكبير ، والغيب والشهادة : ( الله يعلم ما تحمل كلُّ أنثى وما تغيض الأرحام وما تزداد وكلُّ شيءٍ عنده بمقدارٍ – عالم الغيب والشَّهادة الكبير المتعال – سواءٌ منكم مَّن أسرَّ القول ومن جهر به ومن هو مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وسارب بالنَّهار ) [ الرعد : 8-10 ] .
وصدق الله إذ يقول : ( وما يعزب عن رَّبّك من مثقال ذرَّةٍ في الأرض ولا في السَّماء ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلاَّ في كتابٍ مُّبينٍ ) [ يونس : 61 ] .
19 ، 20- حياته وقيوميته سبحانه
وهو حيّ حياة أزلية ( هو الحيُّ لا إله إلاَّ هو ) [ غافر : 65 ] وحياته منافية لحياة الأحياء من الخلق فكلهم يموت ويفنى ، ولا يبقى إلا الله سبحانه : ( كلُّ من عليها فانٍ – ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام ) [ الرحمن : 26-27 ] .
وفي الصحيح عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول : ( أعوذ بعزّتِك الذي لا إله إلا أنت الذي لا يموت والجنّ والأنسُ يموتُون ) . (23)
ومن كان كذلك فهو الذي يستحق أن يعتمد عليه ويتوكل عليه ( وتوكَّل على الحيّ الَّذي لا يموت ) [ الفرقان : 58 ] .
وهو قيوم سبحانه فهو قيوم مقيم لغيره ، وجميع المخلوقات مفتقرة إليه ، ولا قوام لها بدونه : ( ومن آيَاتِهِ أن تقوم السمَّاء والأرض بأمره ) [ الروم : 25 ] .
جمعه – سبحانه – بين هذين الاسمين :
وقد جمع – سبحانه – في أكثر من آية بين هذين الاسمين ( الله لا إله إلاَّ هو الحيُّ القيُّوم ) [ آل عمران : 2 ] .
من تمام حياته وقيوميته :
ومن تمام حياته وقيوميته – سبحانه – أنّه لا ينام ( الله لا إله إلاَّ هو الحيُّ القيُّوم لا تأخذه سنةٌ ولا نومٌ ) [ البقرة : 255 ] ، والسنة : أوائل النوم ، والسنة والنوم نقص يتنزه الخالق عنهما ، ففي صحيح مسلم عن أبي موسى – رضي الله عنه – قال : قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بخمس كلمات ، فقال : ( إنّ الله – عزّ وجلّ – لا ينام ، ولا ينبغي له أن ينام ، يخفض القسط ويرفعه ، يُرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار ، وعمل النّهار قبل عمل الليل ) . (24)
تمجيده تعالى بذكر حياته وقيوميته :
وقد مجّد نفسه – سبحانه – بوصف نفسه بالحياة والقيومية ، كما سبق في النصوص التي ذكرناها ، وقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يمجد ربّه بذكر هذه الصفات ، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل يتهجد قال : ( اللهمّ لك الحمد ، أنت قيم السماوات والأرض ومن فيهن ، ولك الحمدُ ، لَكَ مُلْك السماوات والأرض ومن فيهن ، ولك الحمد ، أنت نُور السماوات والأرض ، ولك الحمد أنت ملك السماوات والأرض ... ) . (25)
21 ، 22- سمعه وبصره – سبحانه وتعالى –
وهاتان الصفتان ثابتتان لله تعالى بنصّ القرآن ( ليس كمثله شيءٌ وهو السَّميع البصير) [ الشورى : 11 ] ، ( ذلك بأنَّ الله يولج الَّليل في النَّهار ويولج النَّهار في الَّليل وأنَّ الله سميع بصيرٌ ) [ الحج : 61 ] .
وقال لموسى وهارون : ( إنَّني معكما أسمع وأرى ) [ طه : 46 ] .
عِظَم سمع الله وبصره :
يقول تعالى : ( قل الله أعلم بما لبثوا له غيب السَّماوات والأرض أبصر به وأسمع ) [الكهف : 26] ، قال ابن جرير : " وذلك في معنى المبالغة في المدح كأنّه قيل : ما أبصره وأسمعه ، وتأويل الكلام : ما أبصر الله لكل موجود ، وأسمعه لكل مسموع ، لا يخفى عليه من ذلك شيء " . (26)
وهو يسمع ويرى الصالحين ، فيثيبهم ( الَّذي يراك حين تقوم - وتقلُّبك في السَّاجدين – إنَّه هو السَّميع العليم ) [ الشعراء : 218-220 ] .
وهو – سبحانه – يرى الطالحين فيجزيهم ( لَّقد سمع الله قول الَّذين قالوا إنَّ الله فقيرٌ ونحن أغنياء سنكتب ما قالوا وقتلهم الأنبياء بغير حقٍ ونقول ذوقوا عذاب الحريق ) [آل عمران : 181 ] .
تقول عائشة – رضي الله عنها – مبينة سعة سمع الله : " الحمد لله الذي وسع سمعه الأصوات " (27) ، لقد جاءت المجادلة إلى النبي صلى الله عليه وسلم تكلمه في جانب البيت ما أسمع ما تقول ، فأنزل الله عزّ وجلّ : ( قد سمع الله قول الَّتي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله والله يسمع تحاوركما إنَّ الله سميع بصير ) [ المجادلة : 1 ] . (28)
وفي صحيح البخاري عن أبي موسى الأشعري – رضي الله عنه – قال : كنّا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر ، فكنّا إذا علونا كبرنا ، فقال : ( أربِعُوا على أنفُسِكُمْ ، فإنّكُم لا تدْعُونَ أصمّ ولا غائِباً ، تدعون سميعاً بصيراً قريباً ) . (29)
جهل المشركين بنفاذ سمع الله :
روى البخاري في صحيحه عن عبد الله – رضي الله عنه – قال : اجتمع عند البيت ( الكعبة ) ثقفيان وقرشي ، أو قرشيان وثقفي ، كثيرةٌ شحم بطونِهم ، قليلة فقه قلوبِهم ، فقال أحدهم : أترون أنّ الله يسمع ما نقول ؟ قال الآخر : يسمع إن جهرنا ، ولا يسمع إن أخفينا ، وقال الآخر : إن كان يسمع إذا جهرنا فإنّه يسمع إذا أخفينا ، فأنزل الله – عزّ وجلّ – ( وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم ولا جلودكم ولكن ظننتم أنّ الله لا يعلم كثيراً مّمَّا تعملون ) [ فصلت : 22 ]