المنهج الذي تُفهم صفات الله في ضوئه (1)
ذكر الشيخ محمد الأمين الشنقيطي – رحمه الله – أن القرآن العظيم دلّ على أن مبحث الصفات يرتكز على ثلاثة أسس ، من جاء بها كلها فقد وافق الصواب ، وكان على الاعتقاد الذي كان عليه النبي – صلى الله عليه وسلم – وأصحابه السلف الصالح ، ومن أخلّ بواحد من تلك الأسس الثلاثة فقد ضلّ .
وذكر أنّ كلّ هذه الأسس الثلاثة يدلّ عليها القرآن العظيم :
الأساس الأول : تنزيهه – جلّ وعلا – عن أن يشبه شيء من صفاته شيئاً من صفات المخلوقين . وهذا الأصل يدل عليه قوله تعالى : ( ليس كمثله شيءٌ ) [ الشورى : 11 ] ، ( ولم يكن لَّّهُ كفواً أحد ) [ الإخلاص : 4 ] ( فلا تضربوا لله الأمثال ) [ النحل: 74] .
الأساس الثاني : هو الإيمان بما وصف الله به نفسه ، لأنّه لا يصف الله أعلم بالله من الله ( أَأَنتُمْ أعلمُ أمِ اللهُ ) [ البقرة : 140 ] .
والإيمان بما وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم لأنّه لا أعلم بالله بعد الله من رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي قال في حقّه : ( وما يَنطِقُ عَنِ الهوى – إن هو إلاَّ وحيٌ يُوحَى ) [ النجم : 3-4 ] .
ضلال الذين أخذوا بأحد هذين الأصلين دون الآخر :
وقد حمل الشيخ – رحمه الله – تعالى على من أخلّ بأحد هذين الأصلين ، وعدّ من نفى عن الله وصفاً أثبته لنفسه بأنه متنطع بين يدي رب السماوات والأرض ، وعدّ فعل هذا النافي عن الله ما أثبته لنفسه متجرئاً على الله جرأة عظيمة .
وعدّ الشيخ هذا ضلالاً ليس بعده ضلال ، لأن هذا النافي عمد إلى ما أثبته الله لنفسه من صفات الكمال والجلال ، فتقدم هذا الجاهل المسكين بين يدي جبار السماوات والأرض قائلاً : هذا الذي وصفت به نفسك لا يليق بك ، ويلزمه من النقص كذا ، فأنا أؤوله وأنفيه ، وآتي ببدله من تلقاء نفسي ، من غير أن يستند فيما ذهب إليه إلى كتاب ولا سنة .
ومثله في الضلال ذلك الذي أثبت الصفات لله – تبارك وتعالى – ولكنه شبه صفات الباري بصفات خلقه .
والمفلح الناجي السائر على الصراط المستقيم هو الذي آمن بهذين الأصلين ، ولم يفرق بينهما ، آمن بما أثبته الله لنفسه من الصفات ، ونزهه في الوقت نفسه عن أن تشبه صفاته صفات خلقه ، فهو مؤمن منزه سالم من ورطة التشبيه والتعطيل .
دلت على هذا الأصل آية من كتاب الله :
وقد دلّ على هذين الأصلين آية من كتاب الله ، هي قوله تعالى : ( ليس كمثله شيءٌ وهو السَّميع البصير ) [ الشورى : 11 ] .
فالحق يثبت في هذه الآية لنفسه السمع والبصر في الوقت الذي يقرر فيه أنه ليس كمثله شيء ، وفي هذا إشارة واضحة إلى أنه لا يجوز للخلق أن ينفوا عن الله سمعه وبصره بدعوى أن المخلوقات الحادثة تملك سمعاً وأبصاراً ، وأن إثبات السمع والبصر لله يؤدي إلى تشبيه الله بمخلوقاته .
إن المعنى الذي تدل الآية عليه أن الله يتصف بالسمع والبصر ، وسمع الله وبصره لا يشبهه شيء من أسماع المخلوقات وأبصارها ، فسمع الله وبصره يليقان بجلال الله وكماله ، وأسماع المخلوقات وأبصارها تناسب حالهم ، فلا تشابه بين صفات الله وصفات المخلوقات .
والأساس الثالث : الذي ترتكز عليه مباحث الصفات – كما يقول الشيخ الشنقيطي – قطع الأطماع عن إدراك حقيقة الكيفية ، لأنّ إدراك حقيقة الكيفية مستحيل . وهذا نص الله عليه في سورة ( طه ) حيث قال : ( يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون به علماً ) [ طه : 110 ] فقوله : ( يحيطون ) فعل مضارع ، والفعل الصناعي الذي يسمى بالفعل المضارع وفعل الأمر والفعل الماضي ينحلّ عند النحويين عن ( مصدر ، وزمن ) .
وقد حرّر علماء البلاغة في بحث الاستعارة التبعية أنّه ينحلّ عن ( مصدر ، وزمن ، ونسبة ) فالمصدر كامن في مفهومه إجماعاً ، ( فيحيطون ) تكمن في مفهومها ( الإحاطة ) ، فيتسلط النفي على المصدر الكامن في الفعل ، ويكون معه كالنكرة المبنية على الفتح ، فيصير المعنى : لا إحاطة للعلم البشري بربّ السماوات والأرض .
فينفي جنس أنواع الإحاطة عن كيفيتها ، فالإحاطة المسندة للعلم منفية عن ربّ العالمين .
وهذا الذي ذكره الشيخ العلامة من استحالة معرفة كيفية الله أو صفاته منطق سليم ؛ لأنّ العقل الإنساني مهما بلغ من الذكاء وقوة الإدراك قاصر غاية القصور وعاجز نهاية العجز عن معرفة حقائق الأشياء .
إنّ الإنسان عاجز عن معرفة حقيقة الروح التي تتردد بين جنبيه ، وعاجز عن معرفة حقيقة الضوء الذي هو من أظهر الأشياء لديه ، وعاجز عن إدراك حقيقة المادة ، وحقيقة الذرات التي تتألف منها المادة ، فكيف يطمح إلى معرفة حقيقة الذات والصفات الإلهية ؟
المنحرفون عن المنهج السليم وأسباب انحرافهم
والانحراف عن المنهج السليم في أسماء الله تعالى وصفاته قد جاء من الإخلال بأصل من الأصول الثلاثة التي ذكرناها ، ونستطيع أن نقسم انحراف الناس قديماً وحديثاً في أسماء وصفاته إلى ثلاثة أقسم :
أولاً : انحراف المشركين :
وانحراف المشركين ، ذكره ابن عباس وابن جريج ، ومجاهد ، فالمشركون عدلوا بأسماء الله تعالى عما هي عليه ، فسموا بها أوثانهم ، فزادوا ونقصوا ، فاشتقوا اللات من الله ، والعزّى من العزيز ، ومناة من المنان .
ومن إلحادهم تكذيبهم بجملة من أسماء الله تعالى ، كتكذيبهم باسم الرحمن ( وهم يكفرون بالرَّحمن ) [ الرعد : 30 ] ، ( وإذا قيل لهم اسجدوا للرَّحمن قالوا وما الرَّحمن ) [ الفرقان : 60 ] .
ويدخل في زمرة هؤلاء الذين يصفون الله بصفات النقص ، كقول خبثاء اليهود : ( إنَّ الله فقيرٌ ونحن أغنياء ) [ آل عمران : 181 ] ، وقولهم : ( يَدُ الله مغلولة غُلَّت أيديهم ولعنوا بما قالوا ) [ المائدة : 64 ] .
ثانياً : انحراف المشبهة :
وهؤلاء أثبتوا لله ما أثبته لنفسه ، ولكنّهم لم ينزهوا الله تعالى عن مشابهة المخلوقين ، فأعملوا من الآية الكريمة ( ليس كمثله شيءٌ وهو السَّميع البصير ) [ الشورى : 11 ] عجزها ، ولم يعملوا صدرها ، إذ لو أعملوا صدرها لعلموا أنّ الله لا يشبهه شيء ، ولما اجترؤوا على أن يقولوا قولتهم التي تقشعرّ لهولها الأبدان ، وتضطرب لها القلوب : إنّ لله يداً وبصراً وسمعاً كيدنا وسمعنا وبصرنا ، تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً .
وهؤلاء جعلوا معبودهم كالأصنام ، ولذا قال علماء السلف : ( المشبه يعبد وثناً ) ، وقد كفروا بمقالتهم هذه وخرجوا عن الملّة ، ومن هؤلاء داود الجواربي ، وهشام بن الحكم الرافضي ، وهذا الفريقان إلحادهما متقابل : فالأولون من المشركين جعلوا المخلوق بمنزلة الخالق وسووه به ، والمشبهة جعلوا الخالق بمنزلة الأجسام المخلوقة ، وشبهوه بها ، تعالى الله وتقدس عن إفكهم وضلالهم .
ثالثاً : انحراف النفاة وهم ثلاث فرق :
1- فريق نفوا الأسماء وما تدلّ عليه من المعاني ، ووصفوا الله تعالى بالعدم المحض ، وهؤلاء هم الجهمية ، والحقيقة أنّ تحريف هؤلاء تكذيب لله كتحريف المشركين .
2- وفريق أثبتوا ألفاظ أسمائه دون ما تضمنته من صفات الكمال ، فقالوا : رحمن رحيم بلا رحمة ، حكيم بلا حكمة ، قدير بلا قدرة ، سميع بلا سمع .. إلخ ، وهؤلاء هم المعتزلة .
3- وفريق ثالث : أثبت سبعاً من صفات المعاني ، وهي : الحياة ، والعلم ، والقدرة ، والإرادة ، والسمع ، والبصر ، والكلام ، ونفوا ، ما عداها ، وهؤلاء هم الأشاعرة . (2)
والمكذبون بأسماء الله وصفاته ، والمشبهون صفاته بصفات خلقه ، والنافون لأسمائه وصفاته – ضلالهم واضح ، إذ هم مشاقون لله ورسوله ، مكذبون للكتاب والسنة ، وأمرهم معلوم لا يحتاج إلى بيان .
أمّا الذين يحتاج إلى كشف ما في مقالتهم من زيف ، فهم أهل الكلام الذي يزعمون أنّهم ينزهون الله تعالى عن مشابهة المخلوقين ، وبهذا ينفون صفات الله تعالى التي وردت في الكتاب والسنة ، بحجة أنّها توهم التشبيه ، وليجؤون في سبيل ذلك إلى تأويل هذه الصفات تأويلاً يصرفها عن معانيها الحقة
ذكر الشيخ محمد الأمين الشنقيطي – رحمه الله – أن القرآن العظيم دلّ على أن مبحث الصفات يرتكز على ثلاثة أسس ، من جاء بها كلها فقد وافق الصواب ، وكان على الاعتقاد الذي كان عليه النبي – صلى الله عليه وسلم – وأصحابه السلف الصالح ، ومن أخلّ بواحد من تلك الأسس الثلاثة فقد ضلّ .
وذكر أنّ كلّ هذه الأسس الثلاثة يدلّ عليها القرآن العظيم :
الأساس الأول : تنزيهه – جلّ وعلا – عن أن يشبه شيء من صفاته شيئاً من صفات المخلوقين . وهذا الأصل يدل عليه قوله تعالى : ( ليس كمثله شيءٌ ) [ الشورى : 11 ] ، ( ولم يكن لَّّهُ كفواً أحد ) [ الإخلاص : 4 ] ( فلا تضربوا لله الأمثال ) [ النحل: 74] .
الأساس الثاني : هو الإيمان بما وصف الله به نفسه ، لأنّه لا يصف الله أعلم بالله من الله ( أَأَنتُمْ أعلمُ أمِ اللهُ ) [ البقرة : 140 ] .
والإيمان بما وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم لأنّه لا أعلم بالله بعد الله من رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي قال في حقّه : ( وما يَنطِقُ عَنِ الهوى – إن هو إلاَّ وحيٌ يُوحَى ) [ النجم : 3-4 ] .
ضلال الذين أخذوا بأحد هذين الأصلين دون الآخر :
وقد حمل الشيخ – رحمه الله – تعالى على من أخلّ بأحد هذين الأصلين ، وعدّ من نفى عن الله وصفاً أثبته لنفسه بأنه متنطع بين يدي رب السماوات والأرض ، وعدّ فعل هذا النافي عن الله ما أثبته لنفسه متجرئاً على الله جرأة عظيمة .
وعدّ الشيخ هذا ضلالاً ليس بعده ضلال ، لأن هذا النافي عمد إلى ما أثبته الله لنفسه من صفات الكمال والجلال ، فتقدم هذا الجاهل المسكين بين يدي جبار السماوات والأرض قائلاً : هذا الذي وصفت به نفسك لا يليق بك ، ويلزمه من النقص كذا ، فأنا أؤوله وأنفيه ، وآتي ببدله من تلقاء نفسي ، من غير أن يستند فيما ذهب إليه إلى كتاب ولا سنة .
ومثله في الضلال ذلك الذي أثبت الصفات لله – تبارك وتعالى – ولكنه شبه صفات الباري بصفات خلقه .
والمفلح الناجي السائر على الصراط المستقيم هو الذي آمن بهذين الأصلين ، ولم يفرق بينهما ، آمن بما أثبته الله لنفسه من الصفات ، ونزهه في الوقت نفسه عن أن تشبه صفاته صفات خلقه ، فهو مؤمن منزه سالم من ورطة التشبيه والتعطيل .
دلت على هذا الأصل آية من كتاب الله :
وقد دلّ على هذين الأصلين آية من كتاب الله ، هي قوله تعالى : ( ليس كمثله شيءٌ وهو السَّميع البصير ) [ الشورى : 11 ] .
فالحق يثبت في هذه الآية لنفسه السمع والبصر في الوقت الذي يقرر فيه أنه ليس كمثله شيء ، وفي هذا إشارة واضحة إلى أنه لا يجوز للخلق أن ينفوا عن الله سمعه وبصره بدعوى أن المخلوقات الحادثة تملك سمعاً وأبصاراً ، وأن إثبات السمع والبصر لله يؤدي إلى تشبيه الله بمخلوقاته .
إن المعنى الذي تدل الآية عليه أن الله يتصف بالسمع والبصر ، وسمع الله وبصره لا يشبهه شيء من أسماع المخلوقات وأبصارها ، فسمع الله وبصره يليقان بجلال الله وكماله ، وأسماع المخلوقات وأبصارها تناسب حالهم ، فلا تشابه بين صفات الله وصفات المخلوقات .
والأساس الثالث : الذي ترتكز عليه مباحث الصفات – كما يقول الشيخ الشنقيطي – قطع الأطماع عن إدراك حقيقة الكيفية ، لأنّ إدراك حقيقة الكيفية مستحيل . وهذا نص الله عليه في سورة ( طه ) حيث قال : ( يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون به علماً ) [ طه : 110 ] فقوله : ( يحيطون ) فعل مضارع ، والفعل الصناعي الذي يسمى بالفعل المضارع وفعل الأمر والفعل الماضي ينحلّ عند النحويين عن ( مصدر ، وزمن ) .
وقد حرّر علماء البلاغة في بحث الاستعارة التبعية أنّه ينحلّ عن ( مصدر ، وزمن ، ونسبة ) فالمصدر كامن في مفهومه إجماعاً ، ( فيحيطون ) تكمن في مفهومها ( الإحاطة ) ، فيتسلط النفي على المصدر الكامن في الفعل ، ويكون معه كالنكرة المبنية على الفتح ، فيصير المعنى : لا إحاطة للعلم البشري بربّ السماوات والأرض .
فينفي جنس أنواع الإحاطة عن كيفيتها ، فالإحاطة المسندة للعلم منفية عن ربّ العالمين .
وهذا الذي ذكره الشيخ العلامة من استحالة معرفة كيفية الله أو صفاته منطق سليم ؛ لأنّ العقل الإنساني مهما بلغ من الذكاء وقوة الإدراك قاصر غاية القصور وعاجز نهاية العجز عن معرفة حقائق الأشياء .
إنّ الإنسان عاجز عن معرفة حقيقة الروح التي تتردد بين جنبيه ، وعاجز عن معرفة حقيقة الضوء الذي هو من أظهر الأشياء لديه ، وعاجز عن إدراك حقيقة المادة ، وحقيقة الذرات التي تتألف منها المادة ، فكيف يطمح إلى معرفة حقيقة الذات والصفات الإلهية ؟
المنحرفون عن المنهج السليم وأسباب انحرافهم
والانحراف عن المنهج السليم في أسماء الله تعالى وصفاته قد جاء من الإخلال بأصل من الأصول الثلاثة التي ذكرناها ، ونستطيع أن نقسم انحراف الناس قديماً وحديثاً في أسماء وصفاته إلى ثلاثة أقسم :
أولاً : انحراف المشركين :
وانحراف المشركين ، ذكره ابن عباس وابن جريج ، ومجاهد ، فالمشركون عدلوا بأسماء الله تعالى عما هي عليه ، فسموا بها أوثانهم ، فزادوا ونقصوا ، فاشتقوا اللات من الله ، والعزّى من العزيز ، ومناة من المنان .
ومن إلحادهم تكذيبهم بجملة من أسماء الله تعالى ، كتكذيبهم باسم الرحمن ( وهم يكفرون بالرَّحمن ) [ الرعد : 30 ] ، ( وإذا قيل لهم اسجدوا للرَّحمن قالوا وما الرَّحمن ) [ الفرقان : 60 ] .
ويدخل في زمرة هؤلاء الذين يصفون الله بصفات النقص ، كقول خبثاء اليهود : ( إنَّ الله فقيرٌ ونحن أغنياء ) [ آل عمران : 181 ] ، وقولهم : ( يَدُ الله مغلولة غُلَّت أيديهم ولعنوا بما قالوا ) [ المائدة : 64 ] .
ثانياً : انحراف المشبهة :
وهؤلاء أثبتوا لله ما أثبته لنفسه ، ولكنّهم لم ينزهوا الله تعالى عن مشابهة المخلوقين ، فأعملوا من الآية الكريمة ( ليس كمثله شيءٌ وهو السَّميع البصير ) [ الشورى : 11 ] عجزها ، ولم يعملوا صدرها ، إذ لو أعملوا صدرها لعلموا أنّ الله لا يشبهه شيء ، ولما اجترؤوا على أن يقولوا قولتهم التي تقشعرّ لهولها الأبدان ، وتضطرب لها القلوب : إنّ لله يداً وبصراً وسمعاً كيدنا وسمعنا وبصرنا ، تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً .
وهؤلاء جعلوا معبودهم كالأصنام ، ولذا قال علماء السلف : ( المشبه يعبد وثناً ) ، وقد كفروا بمقالتهم هذه وخرجوا عن الملّة ، ومن هؤلاء داود الجواربي ، وهشام بن الحكم الرافضي ، وهذا الفريقان إلحادهما متقابل : فالأولون من المشركين جعلوا المخلوق بمنزلة الخالق وسووه به ، والمشبهة جعلوا الخالق بمنزلة الأجسام المخلوقة ، وشبهوه بها ، تعالى الله وتقدس عن إفكهم وضلالهم .
ثالثاً : انحراف النفاة وهم ثلاث فرق :
1- فريق نفوا الأسماء وما تدلّ عليه من المعاني ، ووصفوا الله تعالى بالعدم المحض ، وهؤلاء هم الجهمية ، والحقيقة أنّ تحريف هؤلاء تكذيب لله كتحريف المشركين .
2- وفريق أثبتوا ألفاظ أسمائه دون ما تضمنته من صفات الكمال ، فقالوا : رحمن رحيم بلا رحمة ، حكيم بلا حكمة ، قدير بلا قدرة ، سميع بلا سمع .. إلخ ، وهؤلاء هم المعتزلة .
3- وفريق ثالث : أثبت سبعاً من صفات المعاني ، وهي : الحياة ، والعلم ، والقدرة ، والإرادة ، والسمع ، والبصر ، والكلام ، ونفوا ، ما عداها ، وهؤلاء هم الأشاعرة . (2)
والمكذبون بأسماء الله وصفاته ، والمشبهون صفاته بصفات خلقه ، والنافون لأسمائه وصفاته – ضلالهم واضح ، إذ هم مشاقون لله ورسوله ، مكذبون للكتاب والسنة ، وأمرهم معلوم لا يحتاج إلى بيان .
أمّا الذين يحتاج إلى كشف ما في مقالتهم من زيف ، فهم أهل الكلام الذي يزعمون أنّهم ينزهون الله تعالى عن مشابهة المخلوقين ، وبهذا ينفون صفات الله تعالى التي وردت في الكتاب والسنة ، بحجة أنّها توهم التشبيه ، وليجؤون في سبيل ذلك إلى تأويل هذه الصفات تأويلاً يصرفها عن معانيها الحقة