أجوبة سماحة الشيخ : عبد العزيز بن عبد الله ابن باز - رحمه الله - :
سؤال : سماحة الشيخ , هناك من يرى
أن اقتراف بعض الحكام للمعاصي والكبائر موجب للخروج عليهم ومحاولة التغيير
وإن ترتب عليه ضرر للمسلمين في البلد , والأحداث التي يعاني منها عالمنا
الإسلامي كثيرة , فما رأي سماحتكم ؟
الجواب : بسم الله الرحمن الرحيم , الحمد لله رب العالمين , وصلى الله على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه , أما بعد :
فقد قال الله عز وجل : (( ياأيها الذين ءامنوا أطيعوا الله وأطيعوا
الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن
كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا )) - النساء 59 -
فهذه الآية نص في وجوب طاعة أولي الأمر وهم الأمراء والعلماء وقد
جاءت السنة الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تبين أن هذه الطاعة
لازمة , وهي فريضة في المعروف .
والنصوص من السنة تبين المعنى , وتفيد بأن المراد : طاعتهم بالمعروف
, فيجب على المسلمين طاعة ولاة الأمور في المعروف لا في المعاصي , فإذا
أمروا بالمعصية فلا يطاعون في المعصية , لكن لا يجوز الخروج عليهم
بأسبابها لقوله صلى الله عليه وسلم : ( ألا من ولي عليه وال , فرآه يأتي
شيئا من معصية الله فليكره ما يأتي من معصية الله , ولا ينزعن يدا من طاعة
) , ( ومن خرج من الطاعة , وفارق الجماعة, فمات , مات ميتة جاهلية ) وقال
صلى الله عليه وسلم على المرء السمع والطاعة فيما أحب وكره , إلا أن
يؤمر بمعصية , فإن أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة )
وسأله الصحابة - لما ذكر أنه سيكون أمراء تعرفون منهم وتنكرون -
قالوا : فما تأمرونا ؟ قال : ( أدوا إليهم حقهم وسلوا الله حقكم ) .
قال عبادة بن الصامت - رضي الله عنه - : " بايعنا رسول الله صلى الله
عليه وسلم على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا , وعسرنا ويسرنا , وأثرَة
علينا , وأن لا ننازع الأمر أهله " , وقال :" إلا أن تروا كفرا بواحا
عندكم من الله فيه برهان " .
فهذا يدل على أنهم لا يجوز لهم منازعة ولاة الأمور ولا الخروج عليهم
إلا أن يروا كفرا بواحا عندهم من الله فيه برهان , وما ذاك إلا لأن الخروج
على ولاة الأمور يسبب فسادا كبيرا , وشرا عظيما , فيختل به الأمن , وتضيع
الحقوق , ولا يتيسر ردع الظالم ولا نصر المظلوم , وتختل السبل ولا تأمن ,
فيترتب على الخروج على ولاة الأمر فساد عظيم وشر كبير , إلا إذا رأى
المسلمون كفرا بواحا عندهم من الله فيه برهان , فلا بأس أن يخرجوا على هذا
السلطان لإزالته إذا كان عندهم قدرة , أما إذا لم يكن عندهم قدرة , فلا
يخرجوا , أو كان الخروج يسبب شرا أكثر فليس لهم الخروج , رعاية للمصالح
العامة , والقاعدة الشرعية المجمع عليها ( أنه لا يجوز إزالة الشر بما هو
أشر منه , بل يجب درء الشر بما يزيله ويخففه ) .
وأما درء الشر بشر أكثر فلا يجوز بإجماع المسلمين , فإذا كانت هذه
الطائفة التي تريد إزالة هذا السلطان الذي فعل كفرا بواحا وعندهم قدرة
تزيله بها , وتضع إماما صالحا طيبا , من دون أن يترتب على هذا فساد كبير
على المسلمين وشر أعظم من شر هذا السلطان فلا بأس .
أما إذا كان الخروج يترتب عليه فساد واختلال الأمن وظلم الناس
واغتيال من لا يستحق الإغتيال , إلى غير هذا من الفساد العظيم , فهذا لا
يجوز , بل يجب الصبر والسمع والطاعة في المعروف ومناصحة ولاة الأمور
والدعوة لهم بالخير , والإجتهاد في تخفيف الشر وتقليله وتكثير الخير , هذا
هو الطريق السوي الذي يجب أن يسلك لأن في ذلك مصالح للمسلمين عامة , ولأن
في ذلك تقليل الشر وتكثير الخير , ولأن في ذلك حفظ الأمن وسلامة المسلمين
من شر أكثر , نسأل الله للجميع التوفيق والهداية .
(*)(*)(*)(*)(*)
سؤال : سماحة الوالد : نعلم أن هذا الكلام
أصل من أصول أهل السنة والجماعة ولكن هناك للأسف من أبناء أهل السنة
والجماعة من يرى هذا فكرا انهزاميا , وفيه شيء من التخاذل , وقد قيل هذا
الكلام , لذلك يدعون الشباب إلى تبني العنف في التغيير ؟
الجواب : هذا غلط من قائله وقلة فهم لأنهم
ما فهموا السنة ولا عرفوها كما ينبغي , وإنما تحملهم الحماسة والغيرة
لإزالة المنكر على أن يقعوا فيما يخالف الشرع كما وقعت الخوارج والمعتزلة
, حملهم حب نصر الحق أو الغيرة للحق , حملهم ذلك على أن وقعوا في الباطل
حتى كفروا المسلمين بالمعاصي , أو خلدوهم في النار بالمعاصي كما تفعل
المعتزلة .
فالخوارج كفروا بالمعاصي وخلدوا العصاة في النار , والمعتزلة وافقوهم
في العاقبة وأنهم في النار مخلدون فيها , ولكن قالوا : إنهم في الدنيا في
منزلة بين المنزلتين , وكله ضلال .
والذي عليه أهل السنة هو الحق , أن العاصي لا يكفر بمعصيته ما لم
يستحلها , فإذا زنا لا يكفر , وإذا سرق لا يكفر , وإذ شرب الخمر لا يكفر
ولكن يكون عاصيا ضعيف الإيمان فاسقا , تقام عليه الحدود , ولا يكفر بذلك
إلا استحل المعصية وقال إنها حلال , وما قاله الخوارج في هذا باطل ,
وتكفيرهم للناس باطل , ولهذا قال فيهم النبي صلى الله عليه وسلم أنهم
يمرقون من الإسلام ثم لا يعودون فيه ) ( يقاتلون أهل الإسلام ويدعون أهل
الأوثان ) , هذه حال الخوارج بسبب غلوهم وجهلهم وضلالهم . فلا يليق
بالشباب ولا غير الشباب أن يقلدوا الخوارج والمعتزلة , بل يجب أن يسيروا
على مذهب أهل السنة والجماعة على مقتضى الأدلة الشرعية , فيقفون مع النصوص
كما جاءت , وليس لهم الخروج على السلطان من أجل معصية أو معاص وقعت منه ,
بل عليهم المناصحة والمكاتبة والمشافهة بالطرق الطيبة الحكيمة , بالجدال
بالتي هي أحسن حتى ينجحوا , وحتى يقل الشر أو يزول ويكثر الخير .
هكذا جاءت النصوص عن رسول الله صلى الله عليه وسلم , والله عز وجل
يقول : (( فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لأنفضوا من
حولك )) - آل عمران 159 -
فالواجب على الغيورين لله وعلى دعاة الهدى أن يلتزموا بحدود الشرع ,
وأن يناصحوا من ولاهم الله الأمور بالكلام الطيب والحكمة والأسلوب الحسن ,
حتى يكثر الخير ويقل الشر , وحتى يكثر الدعاة إلى الله , وحتى ينشطوا في
دعوتهم بالتي هي أحسن لا بالعنف والشدة , ويناصحوا من ولاهم الله بشتى
الطرق الطيبة السليمة , مع الدعاء لهم في ظهر الغيب : أن الله يهديهم ,
ويوفقهم , ويعينهم على الخير , وأن الله يعينهم على ترك المعاصي التي
يفعلونها , وعلى إقامة الحق , هكذا يدعو الله ويضرع إليه : أن يهدي الله
ولاة الأمور , وأن يعينهم عل ترك الباطل , وعلى إقامة الحق بالأسلوب الحسن
بالتي هي أحسن , وهكذا مع إخوانه الغيورين ينصحهم ويعظهم ويذكرهم حتى
ينشطوا في الدعوة بالتي هي أحسن لا بالعنف والشدة , وبهذا يكثر الخير ويقل
الشر , ويهدي الله ولاة الأمور للخير والاستقامة عليه , وتكون العاقبة
حميدة للجميع .
(*)(*)(*)(*)(*)
سؤال : لو افترضنا أن هناك خروجا شرعيا لدى
جماعة من الجماعات , هل هذا يبرر قتل أعوان هذا الحاكم وكل من يعمل في
حكومته مثل الشرطة والأمن وغيرهم ؟ .
الجواب : سبق أن أخبرتك أنه لا يجوز الخروج على السلطان إلا بشرطين :
أحدهما : وجود كفر بواح عندهم فيه من الله برهان .
والثاني : القدرة على إزالة الحاكم إزالة لا يترتب عليها شر أكبر , وبدون ذلك لا يجوز .
(*)(*)(*)(*)(*)
سؤال : يظن البعض من الشباب أن مجافاة
الكفار ممن هم مستوطنون في البلاد الإسلامية أو من الوافدين من الشرع ,
ولذلك البعض يستحل قتلهم وسلبهم إذا رأوا منهم ما ينكرون ؟ .
الجواب : لا يجوز قتل الكافر
المستأمن الذي أدخلته الدولة آمنا , ولا قتل العصاة , ولا التعدي عليهم بل
يحالون للحكم الشرعي , هذه مسائل يحكم فيها بالحكم الشرعي .
(*)(*)(*)(*)(*)
سؤال : وإذا لم توجد محاكم شرعية ؟ .
الجواب : إذا لم توجد محاكم شرعية
فالنصيحة فقط , النصيحة لولاة الأمور , وتوجيههم للخير والتعاون معهم حتى
يحكموا شرع الله , أما أن الآمر والناهي يمد يده أو يقتل أو يضرب فلا يجوز
, لكن يتعاون مع ولاة الأمور بالتي هي أحسن , حتى يحكموا شرع الله في عباد
الله , وإلا فواجبه النصح , وواجبه التوجيه إلى الخير , وواجبه إنكار
المنكر بالتي هي أحسن , هذا هو واجبه , قال الله تعالى (( فاتقوا الله ما
استطعتم )) - التغابن 16 - ولأن إنكاره باليد بالقتل أو الضرب يترتب عليه
شر أكثر , وفساد أعظم بلا شك ولا ريب لكل من سبَر هذه الأمور وعرفها .
(*)(*)(*)(*)(*)
سؤال : هل من منهج السلف نقد الولاة من فوق المنابر وما منهج السلف في نصح الولاة ؟
الجواب : ليس من منهج السلف التشهير بعيوب
الولاة وذكر ذلك على المنابر , لأن ذلك يفضي إلى الفوضى وعدم السمع
والطاعة في المعروف , ويفضي إلى الخوض الذي يضر ولا ينفع , ولكن الطريقة
المتبعة عند السلف : النصيحة فيما بينهم وبين السلطان , والكتابة إليه أو
الإتصال بالعلماء الذين يتصلون به حتى يوجه إلى الخير , وإنكار المنكر
يكون من دون ذكر الفاعل فينكر الزنا وينكر الخمر وينكر الربا من دون ذكر
من فعله , ويكفي إنكار المعاصي والتحذير منها من غير أن يذكر أن فلانا
يفعلها لا حاكم ولا غير حاكم , ولما وقعت الفتنة في عهد عثمان رضي الله
عنه قال بعض الناس لأسامة بن زيد رضي الله عنه ألا تكلم عثمان ؟) فقال
إنكم ترون أني لا أكلمه إلا أسمعكم , إني لأكلمه فيما بيني وبينه دون
أن افتتح أمرا لا أحب أن أكون أول من افتتحه ) .
ولما فتحوا الشر في زمان عثمان رضي الله عنه وأنكروا على عثمان جهرة
تمت الفتنة والقتال والفساد الذي لا يزال الناس في آثاره إلى اليوم , حتى
حصلت الفتنة بين علي ومعاوية , وقتل عثمان بأسباب ذلك , وقتل جمع كثير من
الصحابة وغيرهم بأسباب الإنكار العلني وذكر العيوب علنا , حتى أبغض الناس
ولي أمرهم وقتلوه , نسأل الله العافية .
---------
المصدر : فتاوى الأئمة في النوازل المدلهمة
سؤال : سماحة الشيخ , هناك من يرى
أن اقتراف بعض الحكام للمعاصي والكبائر موجب للخروج عليهم ومحاولة التغيير
وإن ترتب عليه ضرر للمسلمين في البلد , والأحداث التي يعاني منها عالمنا
الإسلامي كثيرة , فما رأي سماحتكم ؟
الجواب : بسم الله الرحمن الرحيم , الحمد لله رب العالمين , وصلى الله على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه , أما بعد :
فقد قال الله عز وجل : (( ياأيها الذين ءامنوا أطيعوا الله وأطيعوا
الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن
كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا )) - النساء 59 -
فهذه الآية نص في وجوب طاعة أولي الأمر وهم الأمراء والعلماء وقد
جاءت السنة الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تبين أن هذه الطاعة
لازمة , وهي فريضة في المعروف .
والنصوص من السنة تبين المعنى , وتفيد بأن المراد : طاعتهم بالمعروف
, فيجب على المسلمين طاعة ولاة الأمور في المعروف لا في المعاصي , فإذا
أمروا بالمعصية فلا يطاعون في المعصية , لكن لا يجوز الخروج عليهم
بأسبابها لقوله صلى الله عليه وسلم : ( ألا من ولي عليه وال , فرآه يأتي
شيئا من معصية الله فليكره ما يأتي من معصية الله , ولا ينزعن يدا من طاعة
) , ( ومن خرج من الطاعة , وفارق الجماعة, فمات , مات ميتة جاهلية ) وقال
صلى الله عليه وسلم على المرء السمع والطاعة فيما أحب وكره , إلا أن
يؤمر بمعصية , فإن أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة )
وسأله الصحابة - لما ذكر أنه سيكون أمراء تعرفون منهم وتنكرون -
قالوا : فما تأمرونا ؟ قال : ( أدوا إليهم حقهم وسلوا الله حقكم ) .
قال عبادة بن الصامت - رضي الله عنه - : " بايعنا رسول الله صلى الله
عليه وسلم على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا , وعسرنا ويسرنا , وأثرَة
علينا , وأن لا ننازع الأمر أهله " , وقال :" إلا أن تروا كفرا بواحا
عندكم من الله فيه برهان " .
فهذا يدل على أنهم لا يجوز لهم منازعة ولاة الأمور ولا الخروج عليهم
إلا أن يروا كفرا بواحا عندهم من الله فيه برهان , وما ذاك إلا لأن الخروج
على ولاة الأمور يسبب فسادا كبيرا , وشرا عظيما , فيختل به الأمن , وتضيع
الحقوق , ولا يتيسر ردع الظالم ولا نصر المظلوم , وتختل السبل ولا تأمن ,
فيترتب على الخروج على ولاة الأمر فساد عظيم وشر كبير , إلا إذا رأى
المسلمون كفرا بواحا عندهم من الله فيه برهان , فلا بأس أن يخرجوا على هذا
السلطان لإزالته إذا كان عندهم قدرة , أما إذا لم يكن عندهم قدرة , فلا
يخرجوا , أو كان الخروج يسبب شرا أكثر فليس لهم الخروج , رعاية للمصالح
العامة , والقاعدة الشرعية المجمع عليها ( أنه لا يجوز إزالة الشر بما هو
أشر منه , بل يجب درء الشر بما يزيله ويخففه ) .
وأما درء الشر بشر أكثر فلا يجوز بإجماع المسلمين , فإذا كانت هذه
الطائفة التي تريد إزالة هذا السلطان الذي فعل كفرا بواحا وعندهم قدرة
تزيله بها , وتضع إماما صالحا طيبا , من دون أن يترتب على هذا فساد كبير
على المسلمين وشر أعظم من شر هذا السلطان فلا بأس .
أما إذا كان الخروج يترتب عليه فساد واختلال الأمن وظلم الناس
واغتيال من لا يستحق الإغتيال , إلى غير هذا من الفساد العظيم , فهذا لا
يجوز , بل يجب الصبر والسمع والطاعة في المعروف ومناصحة ولاة الأمور
والدعوة لهم بالخير , والإجتهاد في تخفيف الشر وتقليله وتكثير الخير , هذا
هو الطريق السوي الذي يجب أن يسلك لأن في ذلك مصالح للمسلمين عامة , ولأن
في ذلك تقليل الشر وتكثير الخير , ولأن في ذلك حفظ الأمن وسلامة المسلمين
من شر أكثر , نسأل الله للجميع التوفيق والهداية .
(*)(*)(*)(*)(*)
سؤال : سماحة الوالد : نعلم أن هذا الكلام
أصل من أصول أهل السنة والجماعة ولكن هناك للأسف من أبناء أهل السنة
والجماعة من يرى هذا فكرا انهزاميا , وفيه شيء من التخاذل , وقد قيل هذا
الكلام , لذلك يدعون الشباب إلى تبني العنف في التغيير ؟
الجواب : هذا غلط من قائله وقلة فهم لأنهم
ما فهموا السنة ولا عرفوها كما ينبغي , وإنما تحملهم الحماسة والغيرة
لإزالة المنكر على أن يقعوا فيما يخالف الشرع كما وقعت الخوارج والمعتزلة
, حملهم حب نصر الحق أو الغيرة للحق , حملهم ذلك على أن وقعوا في الباطل
حتى كفروا المسلمين بالمعاصي , أو خلدوهم في النار بالمعاصي كما تفعل
المعتزلة .
فالخوارج كفروا بالمعاصي وخلدوا العصاة في النار , والمعتزلة وافقوهم
في العاقبة وأنهم في النار مخلدون فيها , ولكن قالوا : إنهم في الدنيا في
منزلة بين المنزلتين , وكله ضلال .
والذي عليه أهل السنة هو الحق , أن العاصي لا يكفر بمعصيته ما لم
يستحلها , فإذا زنا لا يكفر , وإذا سرق لا يكفر , وإذ شرب الخمر لا يكفر
ولكن يكون عاصيا ضعيف الإيمان فاسقا , تقام عليه الحدود , ولا يكفر بذلك
إلا استحل المعصية وقال إنها حلال , وما قاله الخوارج في هذا باطل ,
وتكفيرهم للناس باطل , ولهذا قال فيهم النبي صلى الله عليه وسلم أنهم
يمرقون من الإسلام ثم لا يعودون فيه ) ( يقاتلون أهل الإسلام ويدعون أهل
الأوثان ) , هذه حال الخوارج بسبب غلوهم وجهلهم وضلالهم . فلا يليق
بالشباب ولا غير الشباب أن يقلدوا الخوارج والمعتزلة , بل يجب أن يسيروا
على مذهب أهل السنة والجماعة على مقتضى الأدلة الشرعية , فيقفون مع النصوص
كما جاءت , وليس لهم الخروج على السلطان من أجل معصية أو معاص وقعت منه ,
بل عليهم المناصحة والمكاتبة والمشافهة بالطرق الطيبة الحكيمة , بالجدال
بالتي هي أحسن حتى ينجحوا , وحتى يقل الشر أو يزول ويكثر الخير .
هكذا جاءت النصوص عن رسول الله صلى الله عليه وسلم , والله عز وجل
يقول : (( فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لأنفضوا من
حولك )) - آل عمران 159 -
فالواجب على الغيورين لله وعلى دعاة الهدى أن يلتزموا بحدود الشرع ,
وأن يناصحوا من ولاهم الله الأمور بالكلام الطيب والحكمة والأسلوب الحسن ,
حتى يكثر الخير ويقل الشر , وحتى يكثر الدعاة إلى الله , وحتى ينشطوا في
دعوتهم بالتي هي أحسن لا بالعنف والشدة , ويناصحوا من ولاهم الله بشتى
الطرق الطيبة السليمة , مع الدعاء لهم في ظهر الغيب : أن الله يهديهم ,
ويوفقهم , ويعينهم على الخير , وأن الله يعينهم على ترك المعاصي التي
يفعلونها , وعلى إقامة الحق , هكذا يدعو الله ويضرع إليه : أن يهدي الله
ولاة الأمور , وأن يعينهم عل ترك الباطل , وعلى إقامة الحق بالأسلوب الحسن
بالتي هي أحسن , وهكذا مع إخوانه الغيورين ينصحهم ويعظهم ويذكرهم حتى
ينشطوا في الدعوة بالتي هي أحسن لا بالعنف والشدة , وبهذا يكثر الخير ويقل
الشر , ويهدي الله ولاة الأمور للخير والاستقامة عليه , وتكون العاقبة
حميدة للجميع .
(*)(*)(*)(*)(*)
سؤال : لو افترضنا أن هناك خروجا شرعيا لدى
جماعة من الجماعات , هل هذا يبرر قتل أعوان هذا الحاكم وكل من يعمل في
حكومته مثل الشرطة والأمن وغيرهم ؟ .
الجواب : سبق أن أخبرتك أنه لا يجوز الخروج على السلطان إلا بشرطين :
أحدهما : وجود كفر بواح عندهم فيه من الله برهان .
والثاني : القدرة على إزالة الحاكم إزالة لا يترتب عليها شر أكبر , وبدون ذلك لا يجوز .
(*)(*)(*)(*)(*)
سؤال : يظن البعض من الشباب أن مجافاة
الكفار ممن هم مستوطنون في البلاد الإسلامية أو من الوافدين من الشرع ,
ولذلك البعض يستحل قتلهم وسلبهم إذا رأوا منهم ما ينكرون ؟ .
الجواب : لا يجوز قتل الكافر
المستأمن الذي أدخلته الدولة آمنا , ولا قتل العصاة , ولا التعدي عليهم بل
يحالون للحكم الشرعي , هذه مسائل يحكم فيها بالحكم الشرعي .
(*)(*)(*)(*)(*)
سؤال : وإذا لم توجد محاكم شرعية ؟ .
الجواب : إذا لم توجد محاكم شرعية
فالنصيحة فقط , النصيحة لولاة الأمور , وتوجيههم للخير والتعاون معهم حتى
يحكموا شرع الله , أما أن الآمر والناهي يمد يده أو يقتل أو يضرب فلا يجوز
, لكن يتعاون مع ولاة الأمور بالتي هي أحسن , حتى يحكموا شرع الله في عباد
الله , وإلا فواجبه النصح , وواجبه التوجيه إلى الخير , وواجبه إنكار
المنكر بالتي هي أحسن , هذا هو واجبه , قال الله تعالى (( فاتقوا الله ما
استطعتم )) - التغابن 16 - ولأن إنكاره باليد بالقتل أو الضرب يترتب عليه
شر أكثر , وفساد أعظم بلا شك ولا ريب لكل من سبَر هذه الأمور وعرفها .
(*)(*)(*)(*)(*)
سؤال : هل من منهج السلف نقد الولاة من فوق المنابر وما منهج السلف في نصح الولاة ؟
الجواب : ليس من منهج السلف التشهير بعيوب
الولاة وذكر ذلك على المنابر , لأن ذلك يفضي إلى الفوضى وعدم السمع
والطاعة في المعروف , ويفضي إلى الخوض الذي يضر ولا ينفع , ولكن الطريقة
المتبعة عند السلف : النصيحة فيما بينهم وبين السلطان , والكتابة إليه أو
الإتصال بالعلماء الذين يتصلون به حتى يوجه إلى الخير , وإنكار المنكر
يكون من دون ذكر الفاعل فينكر الزنا وينكر الخمر وينكر الربا من دون ذكر
من فعله , ويكفي إنكار المعاصي والتحذير منها من غير أن يذكر أن فلانا
يفعلها لا حاكم ولا غير حاكم , ولما وقعت الفتنة في عهد عثمان رضي الله
عنه قال بعض الناس لأسامة بن زيد رضي الله عنه ألا تكلم عثمان ؟) فقال
إنكم ترون أني لا أكلمه إلا أسمعكم , إني لأكلمه فيما بيني وبينه دون
أن افتتح أمرا لا أحب أن أكون أول من افتتحه ) .
ولما فتحوا الشر في زمان عثمان رضي الله عنه وأنكروا على عثمان جهرة
تمت الفتنة والقتال والفساد الذي لا يزال الناس في آثاره إلى اليوم , حتى
حصلت الفتنة بين علي ومعاوية , وقتل عثمان بأسباب ذلك , وقتل جمع كثير من
الصحابة وغيرهم بأسباب الإنكار العلني وذكر العيوب علنا , حتى أبغض الناس
ولي أمرهم وقتلوه , نسأل الله العافية .
---------
المصدر : فتاوى الأئمة في النوازل المدلهمة