[center]فتاوى الشيخ العلامة محمد بن صالح بن العثيمين -رحمه الله-
( 289) سئل فضيلة الشيخ:
عمن يعبد القبور بالطواف حولها ودعاء أصحابها والنذر
لهم إلى غير ذلك من أنواع العبادة؟ .
فأجاب بقوله :
هذا
السؤال سؤال عظيم ، وجوابه يحتاج إلى بسط بعون الله – عز وجل –
فنقول :
إن أصحاب القبور ينقسمون إلى قسمين :
القسم الأول:
قسم
توفي على الإسلام ويثني الناس عليه خيراً فهذا يرجى له الخير، ولكنه مفتقر
إلى إخوانه المسلمين يدعون الله له بالمغفرة والرحمة وهو داخل في عموم
قوله – تعالى - : ] والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا
ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا
إنك رءوف رحيم[ (1). وهو بنفسه لا ينفع
أحداً إذ إنه ميت جثة لا يستطيع أن يدفع
عن نفسه الضر ولا عن غيره ، ولا أن يجلب لنفسه النفع ولا لغيره فهو محتاج إلى نفع إخوانه غير نافع لهم.
القسم الثاني من أصحاب القبور:
من
أفعاله تؤدي إلى فسقه الفسق المخرج من الملة
كأولئك الذين يدعون أنهم أولياء ، ويعلمون الغيب ويشفون من المرض ، ويجلبون الخير والنفع بأسباب غير
معلومة حساً ولا شرعاً ، فهؤلاء الذين ماتوا على الكفر، لا يجوز
الدعاء لهم ولا الترحم عليهم لقول الله – تعالى - : ] ما كان للنبي
والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبين لهم
أنهم أصحاب الجحيم . وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها
إياه فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه إن إبراهيم لأواه حليم[(1) وهم
لا ينفعون أحداً ولا يضرونه ولا يجوز لأحد أن يتعلق بهم ، وإن قدر أن أحداً
رأى كرامات لهم مثل أن يتراءى له أن في قبورهم نوراً ، أو أنه يخرج منها
رائحة طيبة أو ما أشبه ذلك وهم معروفون بأنهم ماتوا على الكفر فإن هذا من
خداع إبليس وغروره ليفتن هؤلاء بأصحاب هذه القبور.
وإنني
أحذر إخواني المسلمين من أن يتعلقوا بأحد سوى الله – عز وجل –
فإنه – سبحانه وتعالى – هو الذي بيده ملكوت السماوات والأرض وإليه يرجع
الأمر كله ، ولا يجيب دعوة المضطر إلا الله ، ولا يكشف السوء إلا الله ،
قال – تعالى - : ] وما بكم من نعمة فمن الله ثم إذا مسكم الضر
فإليه تجأرون[ (2) . ونصيحتي لهم
أيضاً أن لا يقلدوا في دينهم ولا يتبعوا أحداً إلا رسول الله ، صلى الله
عليه وسلم ، لقول الله – تعالى - : ] لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان
يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً[ (3) ولقوله – تعالى - : ]قل إن كنتم
تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله[(4)].
ويجب
على جميع المسلمين أن يزنوا أعمال من يدعي الولاية بما جاء في الكتاب
والسنة فإن وافق الكتاب والسنة فإنه يرجى أن يكون من أولياء الله وإن خالف
الكتاب والسنة فليس من أولياء الله وقد ذكر الله في كتابه ميزاناً قسطاً
عدلاً في معرفة أولياء الله حيث قال : ]ألا
إن أولياء الله لاخوف عليهم ولا هم يحزنون . الذين آمنوا وكانوا يتقون[ (1) فمن كان مؤمناً
تقياً كان لله وليّاً ، ومن لم يكن كذلك فليس بولي لله، وإن كان معه بعض
الإيمان والتقوى كان فيه شيء من الولاية، ومع ذلك فإننا لا نجزم لشخص بعينه
بشيء ولكننا نقول على سبيل العموم: كل من كان مؤمناً تقياً كان لله ولياً .
وليعلم
أن الله – عز وجل – قد يفتن الإنسان بشيء من مثل هذه الأمور فقد
يتعلق الإنسان بالقبر فيدعو صاحبه أو يأخذ من ترابه يتبرك به فيحصل مطلوبه
ويكون ذلك فتنة من الله – عز وجل – لهذا الرجل لأننا نعلم أن هذا القبر لا يجيب
الدعاء وأن هذا التراب لا يكون سبباً لزوال ضرر أو جلب نفع نعلم ذلك لقول
الله – تعالى - : ] ومن أضل ممن يدعو من دون الله من لا يستجيب له
إلى يوم القيامة وهم عن دعائهم غافلون . وإذا حشر الناس كانوا لهم أعداءا
وكانوا بعبادتهم كافرين[ (2) وقال – تعالى - : ] والذين يدعون
من دون الله لا يخلقون شيئاً وهم يخلقون .أموات غير أحياء وما يشعرون أيان
يبعثون[ (3) . والآيات في هذا
المعنى كثيرة تدل على أن كل من دعي من دون الله فلن يستجيب الدعاء ولن ينفع
الداعي ، ولكن قد يحصل المطلوب المدعو به عند دعاء غير الله فتنة
وامتحاناً ونقول : إنه حصل هذا الشيء عند الدعاء – أي عند دعاء هذا الذي دعي من دون الله – لا بدعائه وفرق بين حصول الشيء بالشيء ، وبين
حصول الشيء عند الشيء فإننا نعلم علم اليقين أن دعاء غير الله ليس سبباً
لجلب النفع أو دفع الضرر بالآيات الكثيرة التي ذكرها الله – عز وجل –
في كتابه ولكن قد يحصل الشيء عند هذا الدعاء فتنة وامتحاناً ، والله-
تعالى – قد يبتلي الإنسان بأسباب
المعصية ليعلم ، - سبحانه وتعالى –
من كان عبداً لله ومن كان عبداً لهواه ، إلا ترى إلى أصحاب السبت من اليهود
حيث حرم الله عليهم أن يصطادوا الحيتان في يوم السبت فابتلاهم الله – عز وجل –
فكانت الحيتان تأتي يوم السبت بكثرة عظيمة وفي غير يوم السبت تختفي فطال
عليهم الأمد ، وقالوا : كيف نحرم أنفسنا من هذه الحيتان ثم فكروا وقدروا
ونظروا فقالوا : نجعل شبكة ونضعها يوم الجمعة ونأخذ الحيتان منها يوم
الأحد، فأقدموا على هذا الفعل الذي هو حيلة على محارم الله فقلبهم الله
قردة خاسئين قال الله – تعالى - : ] واسألهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر إذ
يعدون في السبت إذ تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم شرعاً ويوم لا يسبتون لا
تأتيهم كذلك نبلوهم بما كانوا يفسقون[ (1) وقال عز وجل-: ] ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت فقلنا
لهم كونوا قردة خاسئين . فجعلناها نكالاً لما بين يديها وما خلفها وموعظة
للمتقين[ (2) . فانظر كيف يسر الله لهم هذه الحيتان في
اليوم الذي منعوا من صيدها فيه ولكنهم – والعياذ بالله – لم يصبروا
فقاموا بهذه الحيلة على محارم الله.
ثم
انظر إلى ما حصل لأصحاب النبي ، صلى الله عليه وسلم ، حيث ابتلاهم الله – تعالى –
وهم محرمون بالصيود المحرمة على المحرم فكانت في متناول أيديهم ولكنهم – رضي الله عنهم – لم يجرؤوا على شيء منها قال الله – تعالى - : ] يا أيها الذين
آمنوا ليبلونكم الله بشيء من الصيد تناله أيديكم ورماحكم ليعلم الله من
يخافه بالغيب فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم[ (1). كانت الصيود في
متناول أيديهم يمسكون الصيد العادي باليد وينالون الصيد الطائر بالرماح
فيسهل عليهم جداً ، ولكنهم – رضي
الله عنهم – خافوا الله – عز وجل –
فلم يقدموا على أخذ شيء من الصيود. وهكذا يجب على المرء إذا هيئت له أسباب
الفعل المحرم أن يتقي الله – عز
وجل – وأن لا يقدم على فعل هذا
المحرم وأن يعلم أن تيسير أسبابه من باب الابتلاء والامتحان فليحجم وليصبر
فإن العاقبة للمتقين.
(290) وسئل - جزاه الله عن
الإسلام والمسلمين خير الجزاء :
عن حكم النذر والتبرك بالقبور ،
والأضرحة؟ .
فاجاب – رحمه الله تعالى- بقوله :
النذر عبادة لا يجوز إلا لله – عز
وجل – وكل من صرف
شيئاً من أنواع العبادة لغير الله
فهو مشرك كافر ، قد حرم الله عليه الجنة ،
ومأواه النار ، قال الله – تعالى - :
] إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ،
ومأواه النار وما للظالمين من أنصار[(2) .
وأما التبرك بها :
فإن كان يعتقد أنها تنفع من دون الله – عز وجل –
فهذا شرك في الربوبية مخرج عن الملة ، وإن كان
يعتقد أنها سبب وليست تنفع من دون الله فهو ضال غير مصيب ، وما اعتقده فإنه من الشرك الأصغر ، فعلى من ابتلي بمثل
هذه المسائل أن يتوب إلى الله –
سبحانه وتعالى – وأن يقلع عن ذلك
قبل أن يفاجئه الموت ، فينتقل من الدنيا على أسوأ حال ، وليعلم أن الذي
يملك الضر والنفع هو الله – سبحانه
وتعالى – وأنه هو ملجأ كل أحد ، كما
قال الله – تعالى - : ] أمَّن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم
خلفاء الأرض أإله مع الله قليلاً ما تذكرون[ (1)، وبدلاً من أن يتعب
نفسه في الالتجاء إلى قبر فلان وفلان ، ممن يعتقدونهم أولياء ، ليلتفت إلى
ربه- عز وجل- وليسأله جلب النفع ودفع الضر ، فإن الله – سبحانه وتعالى – هو الذي يملك هذا.
(291) سئل فضيلة الشيخ :
كيف نجيب عباد القبور الذين يحتجون بدفن النبي ، صلى الله عليه
وسلم
، في المسجد النبوي؟.
فأجاب بقوله :
الجواب عن ذلك من وجوه :
الوجه الأول :
أن المسجد لم يبن على
القبر بل بني في حياة النبي ، صلى الله عليه وسلم ، .
الوجه الثاني :
أن النبي صلى الله عليه وسلم – لم يدفن في المسجد حتى يقال : إن هذا من دفن
الصالحين في المسجد؛ بل دفن ، صلى الله عليه وسلم ، في بيته.
الوجه الثالث:
أن إدخال بيوت الرسول ، صلى
الله عليهم وسلم ، ومنها بيت عائشة مع المسجد ليس باتفاق الصحابة بل بعد
أن انقرض أكثرهم ، وذلك في عام أربعة وتسعين هجرية تقريباً ، فليس مما
أجازه الصحابة ؛ بل إن بعضهم خالف في ذلك وممن خالف أيضاً سعيد بن المسيب .
الوجه الرابع:
أن القبر ليس في المسجد حتى
بعد إدخاله ، لأنه في حجرة مستقلة عن المسجد فليس المسجد مبنياً عليه،
ولهذا جعل هذا المكان محفوظاً ومحوطاً بثلاثة جدران ، وجعل الجدار في زاوية
منحرفة عن القبلة أي إنه مثلث، والركن في الزاوية الشمالية حيث لا يستقبله
الإنسان إذا صلى لأنه منحرف ، وبهذا يبطل احتجاج أهل القبور بهذه الشبهة.
(292) سئل فضيلة الشيخ:
عن
رجل بنى مسجداً وأوصى أن يدفن فيه فدفن فما العمل الآن؟.
فأجاب بقوله :
هذه الوصية أعني الوصية أن
يدفن في المسجد غير صحيحة ، لأن المساجد ليست مقابر
، ولا يجوز الدفن في المسجد ، وتنفيذ هذه
الوصية محرم ، والواجب الآن نبش هذا القبر وإخراجه إلى مقابر المسلمين.
(293) وسئل فضيلته :
عن
حكم البناء على القبور؟ .
فأجاب بقوله
البناء على القبور محرم وقد نهى عنه النبي ، صلى الله عليه وسلم ، لما
فيه من تعظيم أهل القبور وكونه وسيلة وذريعة إلى أن تعبد هذه القبور وتتخذ
آلهة مع الله كما هو الشأن في كثيرمن الأبنية التي بنيت على القبور فأصبح
الناس يشركون بأصحاب هذه القبور، ويدعونها مع الله – تعالى –
ودعاء أصحاب القبور والاستغاثة بهم لكشف الكربات شرك أكبر وردة عن الإسلام.
والله المستعان.
(294) وسئل الشيخ – رحمه الله – تعالى :
عن
حكم دفن الموتى في المساجد؟ .
فأجاب قائلاً :
الدفن في المساجد نهى عنه
النبي ، صلى الله عليه وسلم ، ونهى عن اتخاذ المساجد على القبور ولعن من
اتخذ ذلك وهو في سياق الموت يحذر أمته ويذكر ،
صلى الله عليه وسلم ، أن هذا من فعل اليهود والنصارى ، ولأن هذا وسيلة إلى
الشرك بالله – عز وجل- لأن إقامة
المساجد على القبور ودفن الموتى فيها وسيلة إلى الشرك بالله- عز وجل- في
أصحاب هذه القبور فيعتقد الناس أن أصحاب هذه القبور المدفونين في المساجد
ينفعون أو يضرون أو أن لهم خاصية تستوجب أن يتقرب إليهم بالطاعات من دون
الله – سبحانه وتعالى – فيجب على المسلمين أن يحذروا من هذه الظاهرة
الخطيرة وأن تكون المساجد خالية من القبور مؤسسة على التوحيد والعقيدة
الصحيحة قال الله – تعالى- :
<< وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحداً>> (1) فيجب أن تكون المساجد لله-
سبحانه وتعالى – خالية من مظاهر
الشرك تؤدى فيها عبادة الله وحده لا شريك له هذا هو واجب المسلمين . والله
الموفق .
(295) وسئل :
عن
حكم الصلاة في المسجد الذي فيه قبر؟
فأجاب بقوله :
إذا كان هذا المسجد مبنياً
على القبر فإن الصلاة فيه محرمة ويجب هدمه لأن
النبي ، صلى الله عليه وسلم ، لعن اليهود والنصارى حيث اتخذوا قبور
أنبيائهم مساجد تحذيراً مما صنعوا.
وأما
إذا كان المسجد سابقاً على القبر فإنه يجب إخراج القبر
من المسجد ويدفن فيما يدفن فيه المسلمون ، ولا حرج علينا في هذه
الحال إذا نبشنا هذا القبر لأنه دفن في مكان لا يحل أن يدفن فيه فإن
المساجد لا يحل دفن الموتى فيها.
والصلاة
في المسجد إذا كان سابقاً على القبر صحيحة بشرط ألا
يكون القبر في ناحية القبلة فيصلي الناس إليه لأن النبي ، صلى عليه
وسلم ، نهى عن الصلاة إلى القبور وبالإمكان إذا لم يتمكنوا من نبش القبر أن
يهدموا سور المسجد.
(296) وسئل فضيلة الشيخ :
عن
المراد بقول النبي ، صلى الله عليه وسلم : "لا تجعلوا بيوتكم قبوراً"؟
.
فأجاب بقوله : اختلف في المعنى المراد بقول النبي ، صلى الله عليه وسلم :
"لا تجعلوا بيوتكم قبوراً"
على قولين:
القول الأول :
أن المعنى لا تدفنوا فيها
موتاكم وهذا ظاهر اللفظ ، ولكنه أورد على ذلك دفن النبي ، صلى الله عليه
وسلم ، في بيته . وأجيب بأنه من خصائصه .
القول الثاني:
أن المعنى لا تجعلوا البيوت
مثل المقابر لا تصلون فيها ؛ لأنه من المتقرر عندهم أن المقابر لا يصلى
فيها ، ويؤيده ما جاء في بعض الطرق "اجعلوا من صلاتكم في بيوتكم ، ولا
تجعلوها قبوراً" .
وكلا
المعنيين صحيح فإن الدفن في البيوت وسيلة إلى الشرك
، ولأن العادة المتبعة من عهد النبي ، صلى الله عليه وسلم ، إلى يومنا أن
الدفن مع المسلمين ، ولأنه يضيق على الورثة وربما يستوحشون منه، وقد يحدث
عنده من الأفعال المحرمة ما يتنافى مع مقصود الشارع وهو تذكير الآخرة. وفي
هذا الحديث دليل على أن المقابر ليست محلاً للصلاة ؛ لأن اتخاذ المقابر
مكاناً للصلاة سبب للشرك .
والحديث
يدل أيضاً على أن الأفضل أن المرء يجعل من صلاته في بيته ، وذلك جميع
النوافل لقوله ، صلى الله عليه وسلم : "أفضل صلاة المرء في بيته إلا
المكتوبة" إلا ما ورد في الشرع أن يفعل في المسجد مثل صلاة الكسوف ، وقيام
الليل في رمضان ، حتى ولو كانت في مكة أو المدينة فإن صلاة النافلة في بيتك
أفضل لعموم الحديث ، ولأن النبي ، صلى الله عليه وسلم، قال ذلك وهو في
المدينة.
(297) وسئل أيضاً :
عن
حكم إضاءة مقامات الأولياء ونذر ذلك؟ .
فأجاب فضيلته :
إضاءة مقامات الأولياء
والأنبياء التي يريد بها السائل قبورهم هذه الإضاءة محرمة
وقد ورد عن النبي ، صلى الله عليه وسلم ، لعن فاعليها فلا يجوز أن تضاء
هذه القبور وفاعل ذلك ملعون على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فعلى
هذا إذا نذر الإنسان إضاءة هذا القبر فإن نذره محرم وقد قال النبي ، صلى
الله عليه وسلم ، : "من نذر أن يعصي الله فلا يعصه"
. فلا يجوز له أن يفي بهذا النذر.
ولكن
هل يجب عليه أن يكفر كفارة يمين لعدم وفائه بنذره أو لا يجب؟ هذا محل خلاف
بين أهل العلم ، والاحتياط أن يكفر كفارة يمين عن عدم وفائه بهذا النذر .
والله أعلم.
(298) وسئل فضيلة الشيخ :
عن
حكم إسراج المقابر؟ .
فأجاب بقوله :
المقبرة التي لا يحتاج
الناس إليها كما لو كانت المقبرة واسعة ، وفيها موضع قد انتهى الناس من
الدفن فيه فلا حاجة إلى إسراجه، أما الموضع الذي يقبر فيه فيسرج ما حوله
فقد يقال : بجوازه لأنها لا تسرج إلا بالليل فليس في ذلك ما يدل على تعظيم
القبر بل اتخذت للحاجة . ولكن الذي نرى المنع مطلقاً للأسباب الآتية :
السبب الأول :
أنه ليس هناك ضرورة .
السبب الثاني :
أن الناس إذا وجدوا ضرورة
لذلك فيمكنهم أن يحملوا سراجاً معهم.
السبب الثالث:
أنه إذا فتح هذا الباب فإن
الشر سيتسع في قلوب الناس ولا يمكن ضبطه فيما بعد.
أما
إذا كان في المقبرة حجرة يوضع فيها اللبن ونحوه ، فلا بأس بإضاءتها لأنها
بعيدة عن القبور ، والإضاءة داخلة لا تشاهد.
(299) وسئل فضيلته :
عن
حكم السفر لزيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم، ؟
فأجاب بقوله : شد
الرحال إلى زيارة القبور أيّاً كانت هذه القبور لا يجوز
لأن النبي ، صلى الله عليه وسلم يقول : "لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة
مساجد : المسجد الحرام ، ومسجدي هذا ، والمسجد الأقصى" والمقصود بهذا أنه
لا تشد الرحال إلى أي مكان في الأرض لقصد العبادة بهذا الشد ، لأن الأمكنة
التي تخصص بشد الرحال هي المساجد الثلاثة فقط وما عداها من الأمكنة لا تشد
إليها الرحال فقبر النبي ، صلى
الله عليه وسلم، لا تشد الرحال
إليه وإنما تشد الرحال إلى مسجده فإذا وصل المسجد فإن الرجال يسن لهم زيارة
قبر النبي ، صلى الله عليه وسلم ، وأما النساء فلا يسن لهن زيارة قبر
النبي ، صلى الله عليه وسلم، والله الموفق.
(300) سئل فضيلة الشيخ :
هناك
مسجد في اليمن يقال : إنه مسجد معاذ بن جبل المشهور بمسجد الجند ، ويأتي
الناس لزيارته في الجمعة من شهر رجب من كل سنة رجالاً ونساء فما حكم هذا
العمل وما نصيحتكم لهؤلاء؟ .
فأجاب بقوله :
هذا غير مسنون لأمور:
أولاً :
لأنه لم
يثبت أن معاذ بن جبل – رضي الله
عنه – حين بعثه النبي ، صلى الله
عليه وسلم،إلى اليمن اختط مسجداً له هناك ، وإذا لم يثبت ذلك فإن دعوى
أن هذا المسجد له دعوى بغير بينة ، وكل دعوى بغير بينة فإنها غير مقبولة.
ثانياً :
لو ثبت أن معاذ بن جبل اختط
مسجداً هناك فإنه لا يشرع إتيانه وشد الرحل إليه ، بل شد الرحل إلى مساجد
غير المساجد الثلاثة منهي عنه ، قال النبي ، صلى الله عليه وسلم ، : "لا
تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد :المسجد الحرام ، ومسجدي هذا ، والمسجد
الأقصى" .
ثالثاً :
أن
تخصيص هذا العمل بشهر
رجب بدعة أيضاً فإن شهر رجب لم يخص بشيء من العبادات لا بصوم ولا
بصلاة وإنما حكمه حكم الأشهر الحرم الأخرى ، والأشهر الحرم هي : رجب ، وذو
القعدة ، وذو الحجة ، ومحرم . هذه الأشهر التي قال الله – تعالى –
عنها في كتابه : ] إن عدة الشهور
عند الله اثنا عشر شهراً في كتاب الله يوم خلق السموات والأرض منها أربعة
حرم[ (1) ولم يثبت أن شهر رجب خص من بينها في شيء لا
بصيام ولا بقيام ، فإذا خص الإنسان هذا الشهر بشيء من العبادات من غير أن
يثبت ذلك عن النبي ، صلى الله عليه وسلم ، كان مبتدعاً لقوله ، صلى الله
عليه وسلم : "عليكم بسنتي وسنة
الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي ، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ ،
وإياكم ومحدثات الأمور ، فإن كل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة" . فنصيحتي
لإخوتي هؤلاء الذين يقومون بهذا العمل في الحضور إلى المسجد الذي يزعم أنه
مسجد معاذ في اليمن أن لا يتعبوا أنفسهم ويتلفوا أموالهم ويضيعوها في هذا
الأمر الذي لا يزيدهم من الله إلا بعداً ونصيحتي لهم أن يصرفوا همهم إلى
ماثبتت مشروعيته في كتاب الله وسنة نبيه، صلى الله عليه وسلم ، وهذا كافٍ
للمؤمن ، والله الموفق.
(301)
سئل فضيلة الشيخ :
هل استجاب الله دعوة نبيه ، صلى الله عليه وسلم ، بأن لا يجعل
قبره وثناً يعبد أو اقتضت حكمته غير ذلك؟ .
فأجاب بقوله :
يقول :
ابن القيم :
إن الله استجاب له فلم يذكر
أن قبره ، صلى الله عليه
وسلم ، جعل وثناً ، بل إنه حمي قبره بثلاثة جدران فلا أحد يصل إليه حتى
يجعله وثناً يعبد من دون الله ، ولم نسمع في التاريخ أنه جعل وثناً .
صحيح
أنه يوجد أناس يغلون فيه ، ولكن لم يصلوا إلى جعل قبره وثناً . ولكن قد
يعبدون الرسول ، صلى الله عليه وسلم ، ولو في مكان بعيد .
(302) وسئل فضيلته :
( 289) سئل فضيلة الشيخ:
عمن يعبد القبور بالطواف حولها ودعاء أصحابها والنذر
لهم إلى غير ذلك من أنواع العبادة؟ .
فأجاب بقوله :
هذا
السؤال سؤال عظيم ، وجوابه يحتاج إلى بسط بعون الله – عز وجل –
فنقول :
إن أصحاب القبور ينقسمون إلى قسمين :
القسم الأول:
قسم
توفي على الإسلام ويثني الناس عليه خيراً فهذا يرجى له الخير، ولكنه مفتقر
إلى إخوانه المسلمين يدعون الله له بالمغفرة والرحمة وهو داخل في عموم
قوله – تعالى - : ] والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا
ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا
إنك رءوف رحيم[ (1). وهو بنفسه لا ينفع
أحداً إذ إنه ميت جثة لا يستطيع أن يدفع
عن نفسه الضر ولا عن غيره ، ولا أن يجلب لنفسه النفع ولا لغيره فهو محتاج إلى نفع إخوانه غير نافع لهم.
القسم الثاني من أصحاب القبور:
من
أفعاله تؤدي إلى فسقه الفسق المخرج من الملة
كأولئك الذين يدعون أنهم أولياء ، ويعلمون الغيب ويشفون من المرض ، ويجلبون الخير والنفع بأسباب غير
معلومة حساً ولا شرعاً ، فهؤلاء الذين ماتوا على الكفر، لا يجوز
الدعاء لهم ولا الترحم عليهم لقول الله – تعالى - : ] ما كان للنبي
والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبين لهم
أنهم أصحاب الجحيم . وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها
إياه فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه إن إبراهيم لأواه حليم[(1) وهم
لا ينفعون أحداً ولا يضرونه ولا يجوز لأحد أن يتعلق بهم ، وإن قدر أن أحداً
رأى كرامات لهم مثل أن يتراءى له أن في قبورهم نوراً ، أو أنه يخرج منها
رائحة طيبة أو ما أشبه ذلك وهم معروفون بأنهم ماتوا على الكفر فإن هذا من
خداع إبليس وغروره ليفتن هؤلاء بأصحاب هذه القبور.
وإنني
أحذر إخواني المسلمين من أن يتعلقوا بأحد سوى الله – عز وجل –
فإنه – سبحانه وتعالى – هو الذي بيده ملكوت السماوات والأرض وإليه يرجع
الأمر كله ، ولا يجيب دعوة المضطر إلا الله ، ولا يكشف السوء إلا الله ،
قال – تعالى - : ] وما بكم من نعمة فمن الله ثم إذا مسكم الضر
فإليه تجأرون[ (2) . ونصيحتي لهم
أيضاً أن لا يقلدوا في دينهم ولا يتبعوا أحداً إلا رسول الله ، صلى الله
عليه وسلم ، لقول الله – تعالى - : ] لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان
يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً[ (3) ولقوله – تعالى - : ]قل إن كنتم
تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله[(4)].
ويجب
على جميع المسلمين أن يزنوا أعمال من يدعي الولاية بما جاء في الكتاب
والسنة فإن وافق الكتاب والسنة فإنه يرجى أن يكون من أولياء الله وإن خالف
الكتاب والسنة فليس من أولياء الله وقد ذكر الله في كتابه ميزاناً قسطاً
عدلاً في معرفة أولياء الله حيث قال : ]ألا
إن أولياء الله لاخوف عليهم ولا هم يحزنون . الذين آمنوا وكانوا يتقون[ (1) فمن كان مؤمناً
تقياً كان لله وليّاً ، ومن لم يكن كذلك فليس بولي لله، وإن كان معه بعض
الإيمان والتقوى كان فيه شيء من الولاية، ومع ذلك فإننا لا نجزم لشخص بعينه
بشيء ولكننا نقول على سبيل العموم: كل من كان مؤمناً تقياً كان لله ولياً .
وليعلم
أن الله – عز وجل – قد يفتن الإنسان بشيء من مثل هذه الأمور فقد
يتعلق الإنسان بالقبر فيدعو صاحبه أو يأخذ من ترابه يتبرك به فيحصل مطلوبه
ويكون ذلك فتنة من الله – عز وجل – لهذا الرجل لأننا نعلم أن هذا القبر لا يجيب
الدعاء وأن هذا التراب لا يكون سبباً لزوال ضرر أو جلب نفع نعلم ذلك لقول
الله – تعالى - : ] ومن أضل ممن يدعو من دون الله من لا يستجيب له
إلى يوم القيامة وهم عن دعائهم غافلون . وإذا حشر الناس كانوا لهم أعداءا
وكانوا بعبادتهم كافرين[ (2) وقال – تعالى - : ] والذين يدعون
من دون الله لا يخلقون شيئاً وهم يخلقون .أموات غير أحياء وما يشعرون أيان
يبعثون[ (3) . والآيات في هذا
المعنى كثيرة تدل على أن كل من دعي من دون الله فلن يستجيب الدعاء ولن ينفع
الداعي ، ولكن قد يحصل المطلوب المدعو به عند دعاء غير الله فتنة
وامتحاناً ونقول : إنه حصل هذا الشيء عند الدعاء – أي عند دعاء هذا الذي دعي من دون الله – لا بدعائه وفرق بين حصول الشيء بالشيء ، وبين
حصول الشيء عند الشيء فإننا نعلم علم اليقين أن دعاء غير الله ليس سبباً
لجلب النفع أو دفع الضرر بالآيات الكثيرة التي ذكرها الله – عز وجل –
في كتابه ولكن قد يحصل الشيء عند هذا الدعاء فتنة وامتحاناً ، والله-
تعالى – قد يبتلي الإنسان بأسباب
المعصية ليعلم ، - سبحانه وتعالى –
من كان عبداً لله ومن كان عبداً لهواه ، إلا ترى إلى أصحاب السبت من اليهود
حيث حرم الله عليهم أن يصطادوا الحيتان في يوم السبت فابتلاهم الله – عز وجل –
فكانت الحيتان تأتي يوم السبت بكثرة عظيمة وفي غير يوم السبت تختفي فطال
عليهم الأمد ، وقالوا : كيف نحرم أنفسنا من هذه الحيتان ثم فكروا وقدروا
ونظروا فقالوا : نجعل شبكة ونضعها يوم الجمعة ونأخذ الحيتان منها يوم
الأحد، فأقدموا على هذا الفعل الذي هو حيلة على محارم الله فقلبهم الله
قردة خاسئين قال الله – تعالى - : ] واسألهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر إذ
يعدون في السبت إذ تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم شرعاً ويوم لا يسبتون لا
تأتيهم كذلك نبلوهم بما كانوا يفسقون[ (1) وقال عز وجل-: ] ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت فقلنا
لهم كونوا قردة خاسئين . فجعلناها نكالاً لما بين يديها وما خلفها وموعظة
للمتقين[ (2) . فانظر كيف يسر الله لهم هذه الحيتان في
اليوم الذي منعوا من صيدها فيه ولكنهم – والعياذ بالله – لم يصبروا
فقاموا بهذه الحيلة على محارم الله.
ثم
انظر إلى ما حصل لأصحاب النبي ، صلى الله عليه وسلم ، حيث ابتلاهم الله – تعالى –
وهم محرمون بالصيود المحرمة على المحرم فكانت في متناول أيديهم ولكنهم – رضي الله عنهم – لم يجرؤوا على شيء منها قال الله – تعالى - : ] يا أيها الذين
آمنوا ليبلونكم الله بشيء من الصيد تناله أيديكم ورماحكم ليعلم الله من
يخافه بالغيب فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم[ (1). كانت الصيود في
متناول أيديهم يمسكون الصيد العادي باليد وينالون الصيد الطائر بالرماح
فيسهل عليهم جداً ، ولكنهم – رضي
الله عنهم – خافوا الله – عز وجل –
فلم يقدموا على أخذ شيء من الصيود. وهكذا يجب على المرء إذا هيئت له أسباب
الفعل المحرم أن يتقي الله – عز
وجل – وأن لا يقدم على فعل هذا
المحرم وأن يعلم أن تيسير أسبابه من باب الابتلاء والامتحان فليحجم وليصبر
فإن العاقبة للمتقين.
(290) وسئل - جزاه الله عن
الإسلام والمسلمين خير الجزاء :
عن حكم النذر والتبرك بالقبور ،
والأضرحة؟ .
فاجاب – رحمه الله تعالى- بقوله :
النذر عبادة لا يجوز إلا لله – عز
وجل – وكل من صرف
شيئاً من أنواع العبادة لغير الله
فهو مشرك كافر ، قد حرم الله عليه الجنة ،
ومأواه النار ، قال الله – تعالى - :
] إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ،
ومأواه النار وما للظالمين من أنصار[(2) .
وأما التبرك بها :
فإن كان يعتقد أنها تنفع من دون الله – عز وجل –
فهذا شرك في الربوبية مخرج عن الملة ، وإن كان
يعتقد أنها سبب وليست تنفع من دون الله فهو ضال غير مصيب ، وما اعتقده فإنه من الشرك الأصغر ، فعلى من ابتلي بمثل
هذه المسائل أن يتوب إلى الله –
سبحانه وتعالى – وأن يقلع عن ذلك
قبل أن يفاجئه الموت ، فينتقل من الدنيا على أسوأ حال ، وليعلم أن الذي
يملك الضر والنفع هو الله – سبحانه
وتعالى – وأنه هو ملجأ كل أحد ، كما
قال الله – تعالى - : ] أمَّن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم
خلفاء الأرض أإله مع الله قليلاً ما تذكرون[ (1)، وبدلاً من أن يتعب
نفسه في الالتجاء إلى قبر فلان وفلان ، ممن يعتقدونهم أولياء ، ليلتفت إلى
ربه- عز وجل- وليسأله جلب النفع ودفع الضر ، فإن الله – سبحانه وتعالى – هو الذي يملك هذا.
(291) سئل فضيلة الشيخ :
كيف نجيب عباد القبور الذين يحتجون بدفن النبي ، صلى الله عليه
وسلم
، في المسجد النبوي؟.
فأجاب بقوله :
الجواب عن ذلك من وجوه :
الوجه الأول :
أن المسجد لم يبن على
القبر بل بني في حياة النبي ، صلى الله عليه وسلم ، .
الوجه الثاني :
أن النبي صلى الله عليه وسلم – لم يدفن في المسجد حتى يقال : إن هذا من دفن
الصالحين في المسجد؛ بل دفن ، صلى الله عليه وسلم ، في بيته.
الوجه الثالث:
أن إدخال بيوت الرسول ، صلى
الله عليهم وسلم ، ومنها بيت عائشة مع المسجد ليس باتفاق الصحابة بل بعد
أن انقرض أكثرهم ، وذلك في عام أربعة وتسعين هجرية تقريباً ، فليس مما
أجازه الصحابة ؛ بل إن بعضهم خالف في ذلك وممن خالف أيضاً سعيد بن المسيب .
الوجه الرابع:
أن القبر ليس في المسجد حتى
بعد إدخاله ، لأنه في حجرة مستقلة عن المسجد فليس المسجد مبنياً عليه،
ولهذا جعل هذا المكان محفوظاً ومحوطاً بثلاثة جدران ، وجعل الجدار في زاوية
منحرفة عن القبلة أي إنه مثلث، والركن في الزاوية الشمالية حيث لا يستقبله
الإنسان إذا صلى لأنه منحرف ، وبهذا يبطل احتجاج أهل القبور بهذه الشبهة.
(292) سئل فضيلة الشيخ:
عن
رجل بنى مسجداً وأوصى أن يدفن فيه فدفن فما العمل الآن؟.
فأجاب بقوله :
هذه الوصية أعني الوصية أن
يدفن في المسجد غير صحيحة ، لأن المساجد ليست مقابر
، ولا يجوز الدفن في المسجد ، وتنفيذ هذه
الوصية محرم ، والواجب الآن نبش هذا القبر وإخراجه إلى مقابر المسلمين.
(293) وسئل فضيلته :
عن
حكم البناء على القبور؟ .
فأجاب بقوله
البناء على القبور محرم وقد نهى عنه النبي ، صلى الله عليه وسلم ، لما
فيه من تعظيم أهل القبور وكونه وسيلة وذريعة إلى أن تعبد هذه القبور وتتخذ
آلهة مع الله كما هو الشأن في كثيرمن الأبنية التي بنيت على القبور فأصبح
الناس يشركون بأصحاب هذه القبور، ويدعونها مع الله – تعالى –
ودعاء أصحاب القبور والاستغاثة بهم لكشف الكربات شرك أكبر وردة عن الإسلام.
والله المستعان.
(294) وسئل الشيخ – رحمه الله – تعالى :
عن
حكم دفن الموتى في المساجد؟ .
فأجاب قائلاً :
الدفن في المساجد نهى عنه
النبي ، صلى الله عليه وسلم ، ونهى عن اتخاذ المساجد على القبور ولعن من
اتخذ ذلك وهو في سياق الموت يحذر أمته ويذكر ،
صلى الله عليه وسلم ، أن هذا من فعل اليهود والنصارى ، ولأن هذا وسيلة إلى
الشرك بالله – عز وجل- لأن إقامة
المساجد على القبور ودفن الموتى فيها وسيلة إلى الشرك بالله- عز وجل- في
أصحاب هذه القبور فيعتقد الناس أن أصحاب هذه القبور المدفونين في المساجد
ينفعون أو يضرون أو أن لهم خاصية تستوجب أن يتقرب إليهم بالطاعات من دون
الله – سبحانه وتعالى – فيجب على المسلمين أن يحذروا من هذه الظاهرة
الخطيرة وأن تكون المساجد خالية من القبور مؤسسة على التوحيد والعقيدة
الصحيحة قال الله – تعالى- :
<< وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحداً>> (1) فيجب أن تكون المساجد لله-
سبحانه وتعالى – خالية من مظاهر
الشرك تؤدى فيها عبادة الله وحده لا شريك له هذا هو واجب المسلمين . والله
الموفق .
(295) وسئل :
عن
حكم الصلاة في المسجد الذي فيه قبر؟
فأجاب بقوله :
إذا كان هذا المسجد مبنياً
على القبر فإن الصلاة فيه محرمة ويجب هدمه لأن
النبي ، صلى الله عليه وسلم ، لعن اليهود والنصارى حيث اتخذوا قبور
أنبيائهم مساجد تحذيراً مما صنعوا.
وأما
إذا كان المسجد سابقاً على القبر فإنه يجب إخراج القبر
من المسجد ويدفن فيما يدفن فيه المسلمون ، ولا حرج علينا في هذه
الحال إذا نبشنا هذا القبر لأنه دفن في مكان لا يحل أن يدفن فيه فإن
المساجد لا يحل دفن الموتى فيها.
والصلاة
في المسجد إذا كان سابقاً على القبر صحيحة بشرط ألا
يكون القبر في ناحية القبلة فيصلي الناس إليه لأن النبي ، صلى عليه
وسلم ، نهى عن الصلاة إلى القبور وبالإمكان إذا لم يتمكنوا من نبش القبر أن
يهدموا سور المسجد.
(296) وسئل فضيلة الشيخ :
عن
المراد بقول النبي ، صلى الله عليه وسلم : "لا تجعلوا بيوتكم قبوراً"؟
.
فأجاب بقوله : اختلف في المعنى المراد بقول النبي ، صلى الله عليه وسلم :
"لا تجعلوا بيوتكم قبوراً"
على قولين:
القول الأول :
أن المعنى لا تدفنوا فيها
موتاكم وهذا ظاهر اللفظ ، ولكنه أورد على ذلك دفن النبي ، صلى الله عليه
وسلم ، في بيته . وأجيب بأنه من خصائصه .
القول الثاني:
أن المعنى لا تجعلوا البيوت
مثل المقابر لا تصلون فيها ؛ لأنه من المتقرر عندهم أن المقابر لا يصلى
فيها ، ويؤيده ما جاء في بعض الطرق "اجعلوا من صلاتكم في بيوتكم ، ولا
تجعلوها قبوراً" .
وكلا
المعنيين صحيح فإن الدفن في البيوت وسيلة إلى الشرك
، ولأن العادة المتبعة من عهد النبي ، صلى الله عليه وسلم ، إلى يومنا أن
الدفن مع المسلمين ، ولأنه يضيق على الورثة وربما يستوحشون منه، وقد يحدث
عنده من الأفعال المحرمة ما يتنافى مع مقصود الشارع وهو تذكير الآخرة. وفي
هذا الحديث دليل على أن المقابر ليست محلاً للصلاة ؛ لأن اتخاذ المقابر
مكاناً للصلاة سبب للشرك .
والحديث
يدل أيضاً على أن الأفضل أن المرء يجعل من صلاته في بيته ، وذلك جميع
النوافل لقوله ، صلى الله عليه وسلم : "أفضل صلاة المرء في بيته إلا
المكتوبة" إلا ما ورد في الشرع أن يفعل في المسجد مثل صلاة الكسوف ، وقيام
الليل في رمضان ، حتى ولو كانت في مكة أو المدينة فإن صلاة النافلة في بيتك
أفضل لعموم الحديث ، ولأن النبي ، صلى الله عليه وسلم، قال ذلك وهو في
المدينة.
(297) وسئل أيضاً :
عن
حكم إضاءة مقامات الأولياء ونذر ذلك؟ .
فأجاب فضيلته :
إضاءة مقامات الأولياء
والأنبياء التي يريد بها السائل قبورهم هذه الإضاءة محرمة
وقد ورد عن النبي ، صلى الله عليه وسلم ، لعن فاعليها فلا يجوز أن تضاء
هذه القبور وفاعل ذلك ملعون على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فعلى
هذا إذا نذر الإنسان إضاءة هذا القبر فإن نذره محرم وقد قال النبي ، صلى
الله عليه وسلم ، : "من نذر أن يعصي الله فلا يعصه"
. فلا يجوز له أن يفي بهذا النذر.
ولكن
هل يجب عليه أن يكفر كفارة يمين لعدم وفائه بنذره أو لا يجب؟ هذا محل خلاف
بين أهل العلم ، والاحتياط أن يكفر كفارة يمين عن عدم وفائه بهذا النذر .
والله أعلم.
(298) وسئل فضيلة الشيخ :
عن
حكم إسراج المقابر؟ .
فأجاب بقوله :
المقبرة التي لا يحتاج
الناس إليها كما لو كانت المقبرة واسعة ، وفيها موضع قد انتهى الناس من
الدفن فيه فلا حاجة إلى إسراجه، أما الموضع الذي يقبر فيه فيسرج ما حوله
فقد يقال : بجوازه لأنها لا تسرج إلا بالليل فليس في ذلك ما يدل على تعظيم
القبر بل اتخذت للحاجة . ولكن الذي نرى المنع مطلقاً للأسباب الآتية :
السبب الأول :
أنه ليس هناك ضرورة .
السبب الثاني :
أن الناس إذا وجدوا ضرورة
لذلك فيمكنهم أن يحملوا سراجاً معهم.
السبب الثالث:
أنه إذا فتح هذا الباب فإن
الشر سيتسع في قلوب الناس ولا يمكن ضبطه فيما بعد.
أما
إذا كان في المقبرة حجرة يوضع فيها اللبن ونحوه ، فلا بأس بإضاءتها لأنها
بعيدة عن القبور ، والإضاءة داخلة لا تشاهد.
(299) وسئل فضيلته :
عن
حكم السفر لزيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم، ؟
فأجاب بقوله : شد
الرحال إلى زيارة القبور أيّاً كانت هذه القبور لا يجوز
لأن النبي ، صلى الله عليه وسلم يقول : "لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة
مساجد : المسجد الحرام ، ومسجدي هذا ، والمسجد الأقصى" والمقصود بهذا أنه
لا تشد الرحال إلى أي مكان في الأرض لقصد العبادة بهذا الشد ، لأن الأمكنة
التي تخصص بشد الرحال هي المساجد الثلاثة فقط وما عداها من الأمكنة لا تشد
إليها الرحال فقبر النبي ، صلى
الله عليه وسلم، لا تشد الرحال
إليه وإنما تشد الرحال إلى مسجده فإذا وصل المسجد فإن الرجال يسن لهم زيارة
قبر النبي ، صلى الله عليه وسلم ، وأما النساء فلا يسن لهن زيارة قبر
النبي ، صلى الله عليه وسلم، والله الموفق.
(300) سئل فضيلة الشيخ :
هناك
مسجد في اليمن يقال : إنه مسجد معاذ بن جبل المشهور بمسجد الجند ، ويأتي
الناس لزيارته في الجمعة من شهر رجب من كل سنة رجالاً ونساء فما حكم هذا
العمل وما نصيحتكم لهؤلاء؟ .
فأجاب بقوله :
هذا غير مسنون لأمور:
أولاً :
لأنه لم
يثبت أن معاذ بن جبل – رضي الله
عنه – حين بعثه النبي ، صلى الله
عليه وسلم،إلى اليمن اختط مسجداً له هناك ، وإذا لم يثبت ذلك فإن دعوى
أن هذا المسجد له دعوى بغير بينة ، وكل دعوى بغير بينة فإنها غير مقبولة.
ثانياً :
لو ثبت أن معاذ بن جبل اختط
مسجداً هناك فإنه لا يشرع إتيانه وشد الرحل إليه ، بل شد الرحل إلى مساجد
غير المساجد الثلاثة منهي عنه ، قال النبي ، صلى الله عليه وسلم ، : "لا
تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد :المسجد الحرام ، ومسجدي هذا ، والمسجد
الأقصى" .
ثالثاً :
أن
تخصيص هذا العمل بشهر
رجب بدعة أيضاً فإن شهر رجب لم يخص بشيء من العبادات لا بصوم ولا
بصلاة وإنما حكمه حكم الأشهر الحرم الأخرى ، والأشهر الحرم هي : رجب ، وذو
القعدة ، وذو الحجة ، ومحرم . هذه الأشهر التي قال الله – تعالى –
عنها في كتابه : ] إن عدة الشهور
عند الله اثنا عشر شهراً في كتاب الله يوم خلق السموات والأرض منها أربعة
حرم[ (1) ولم يثبت أن شهر رجب خص من بينها في شيء لا
بصيام ولا بقيام ، فإذا خص الإنسان هذا الشهر بشيء من العبادات من غير أن
يثبت ذلك عن النبي ، صلى الله عليه وسلم ، كان مبتدعاً لقوله ، صلى الله
عليه وسلم : "عليكم بسنتي وسنة
الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي ، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ ،
وإياكم ومحدثات الأمور ، فإن كل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة" . فنصيحتي
لإخوتي هؤلاء الذين يقومون بهذا العمل في الحضور إلى المسجد الذي يزعم أنه
مسجد معاذ في اليمن أن لا يتعبوا أنفسهم ويتلفوا أموالهم ويضيعوها في هذا
الأمر الذي لا يزيدهم من الله إلا بعداً ونصيحتي لهم أن يصرفوا همهم إلى
ماثبتت مشروعيته في كتاب الله وسنة نبيه، صلى الله عليه وسلم ، وهذا كافٍ
للمؤمن ، والله الموفق.
(301)
سئل فضيلة الشيخ :
هل استجاب الله دعوة نبيه ، صلى الله عليه وسلم ، بأن لا يجعل
قبره وثناً يعبد أو اقتضت حكمته غير ذلك؟ .
فأجاب بقوله :
يقول :
ابن القيم :
إن الله استجاب له فلم يذكر
أن قبره ، صلى الله عليه
وسلم ، جعل وثناً ، بل إنه حمي قبره بثلاثة جدران فلا أحد يصل إليه حتى
يجعله وثناً يعبد من دون الله ، ولم نسمع في التاريخ أنه جعل وثناً .
صحيح
أنه يوجد أناس يغلون فيه ، ولكن لم يصلوا إلى جعل قبره وثناً . ولكن قد
يعبدون الرسول ، صلى الله عليه وسلم ، ولو في مكان بعيد .
(302) وسئل فضيلته :
عن رجل توفي وبعد مدة رآه رجل في المنام وطلب منه أن يخرجه من
القبر ويبني له مقاماً ففعل فما حكم هذا العمل؟
القبر ويبني له مقاماً ففعل فما حكم هذا العمل؟
فأجاب قائلاً : الحكم
في هذا أنه فعل محرم ، وأن المرائي التي ترى في
المنام إذا كانت مخالفة للشرع فإنها باطلة ، وهي من ضرب الأمثلة التي
يضربها الشيطان ومن وحي الشيطان فلا يجوز تنفيذها أبداً ، لأن الأحكام
الشرعية لا تتغير بالمنامات ، والواجب عليهم الآن أن يهدموا هذا المقام
الذي بنوه له وأن يردوه إلى مقابر المسلمين.
ونصيحتي
لهؤلاء وأمثالهم أن يعرضوا كل ما رأوه في المنام على الكتاب والسنة ، فما
خالف الكتاب والسنة ، فمطروح مردود ولا عبرة به، ولا يجوز للإنسان أن يعتمد
في أمور دينه على هذه المرائي الكاذبة ؛ لأن الشيطان أقسم بعزة الله – عز وجل –
أن يغوي بني آدم إلا عباد الله المخلصين ، فمن كان مخلِصاً لله ومخلَصاً
له، متبعاً لدينه مبتغياً لدينه فإنه يسلم من إغواء الشيطان وشره ، وأما من
كان خلاف ذلك فإن الشيطان يتلاعب به في عبادته ، وفي اعتقاداته ، وفي
أفكاره ، وفي أعماله ، فليحذره يقول : الله – عز وجل - : ] إن الشيطان لكم
عدو فاتخذوه عدوّاً إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير[ (1).
(303) سئل فضيلة الشيخ:
في هذا أنه فعل محرم ، وأن المرائي التي ترى في
المنام إذا كانت مخالفة للشرع فإنها باطلة ، وهي من ضرب الأمثلة التي
يضربها الشيطان ومن وحي الشيطان فلا يجوز تنفيذها أبداً ، لأن الأحكام
الشرعية لا تتغير بالمنامات ، والواجب عليهم الآن أن يهدموا هذا المقام
الذي بنوه له وأن يردوه إلى مقابر المسلمين.
ونصيحتي
لهؤلاء وأمثالهم أن يعرضوا كل ما رأوه في المنام على الكتاب والسنة ، فما
خالف الكتاب والسنة ، فمطروح مردود ولا عبرة به، ولا يجوز للإنسان أن يعتمد
في أمور دينه على هذه المرائي الكاذبة ؛ لأن الشيطان أقسم بعزة الله – عز وجل –
أن يغوي بني آدم إلا عباد الله المخلصين ، فمن كان مخلِصاً لله ومخلَصاً
له، متبعاً لدينه مبتغياً لدينه فإنه يسلم من إغواء الشيطان وشره ، وأما من
كان خلاف ذلك فإن الشيطان يتلاعب به في عبادته ، وفي اعتقاداته ، وفي
أفكاره ، وفي أعماله ، فليحذره يقول : الله – عز وجل - : ] إن الشيطان لكم
عدو فاتخذوه عدوّاً إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير[ (1).
(303) سئل فضيلة الشيخ:
عن مقبرة قديمة أصبحت طريقاًَ للناس والبهائم كيف يعمل بها؟
فأجاب بقوله :
أود أن أبين بهذه المناسبة
أن لأصحاب القبور حقوقاً لأنهم مسلمون ، ولهذا نهى النبي ، صلى الله
عليه وسلم ، أن يوطأ على القبر
وأن يجلس عليه وقال : "لأن يجلس أحدكم على جمرة فتخرق ثيابه فتمضي إلى جلده
خير له من أن يجلس على قبر" وكما نهى النبي ، صلى الله
عليه وسلم ، عن امتهان القبور فإنه نهى أيضاً عن تعظيمها بما يفضي إلى الغلو
والشرك ، فنهى أن يجصص القبر ، وأن يبنى عليه ، وأن يكتب عليه . وهذه
القضية التي ذكرت في السؤال المقبرة القديمة التي أصبحت ممراً وطريقاً
للمشاة والسيارات ومرعى للبهائم يجب أن يرفع أمرها إلى ولاة الأمور لاتخاذ
اللازم في حمايتها وصيانتها وفتح طرق حولها يعبر الناس منها إلى الجهات
الأخرى.
أود أن أبين بهذه المناسبة
أن لأصحاب القبور حقوقاً لأنهم مسلمون ، ولهذا نهى النبي ، صلى الله
عليه وسلم ، أن يوطأ على القبر
وأن يجلس عليه وقال : "لأن يجلس أحدكم على جمرة فتخرق ثيابه فتمضي إلى جلده
خير له من أن يجلس على قبر" وكما نهى النبي ، صلى الله
عليه وسلم ، عن امتهان القبور فإنه نهى أيضاً عن تعظيمها بما يفضي إلى الغلو
والشرك ، فنهى أن يجصص القبر ، وأن يبنى عليه ، وأن يكتب عليه . وهذه
القضية التي ذكرت في السؤال المقبرة القديمة التي أصبحت ممراً وطريقاً
للمشاة والسيارات ومرعى للبهائم يجب أن يرفع أمرها إلى ولاة الأمور لاتخاذ
اللازم في حمايتها وصيانتها وفتح طرق حولها يعبر الناس منها إلى الجهات
الأخرى.