ماذا يريدون من المرأة؟!
وقفات مع الخطاب الدعوي في قضية المرأة..
إن الحديث عن تقويم الخطاب الدعوي فـي قـضـيــة المرأة يحتاج إلى دراسة علمية واسعة تعتمد على حصر النتاج الذي يتناول قضية المرأة وتحـلـيـــل مضمونه تحليلاً علمياً؛ وهذا مشروع علمي يحتاج إلى جهد واسع، ولعله أن يكون ميدان اهـتـمــــام بعض المختصين.
ورغبة في الإسهام في هذا الملف الذي تنشره المجلة أحببت أن أسطر بعـــض الـوقـفــــات الـسـريـعــة الـتي لا تــعــدو أن تكون خواطر وانطباعات شخصية أكثر منها دراسة علمية موضوعية.
الوقفة الأولى: لماذا يُعنى الدعاة بقضية المرأة؟
يـعــــــد موضوع المرأة من الموضوعات الساخنة والحيوية لدى الدعاة إلى الله ـ عز وجل ـ، وقلما نجـد مناسبة للحديث والكتابة إلا وتتضمـن شيئاً يتعلق بالمرأة، ولعل الذي أدى إلى أهميـة قضيـة المـرأة لـدى الدعـاة إلى الله ـ عز وجل ـ أمور، منها:
الأمر الأول: التـأســـي بالـنـبي صلى الله عليه وسلم في دعوته؛ فقد كان يولي المرأة عناية واهتماماً؛ فكان صلى الله علـيــه وسلم حين يصلي العيد يتجه إلى النساء فيعظهن ويأمرهن بالصدقة؛ فعن ابن عباس ـ رضـــــي الله عنهما ـ قال: "خرجت مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم فطر أو أضحى فصلى ثم خـطــــب، ثــم أتى الـنـســاء فوعظهن وذكَّرهن وأمرهن بالصدقة".
ولم يقتصر الأمر على استثمار اللقاءات العابرة، بل خصص لهن النبي صلى الله عليه وسلم يـومـــاً يحدثهن فيه؛ فعن أبي سعيد الخدري ـ رضي الله عنه ـ قال: "قالت النساء للنبي صلى الله علـيه وسلم: غلبنا عليك الرجال فاجعل لنا يوماً من نفسك. فوعدهن يوماً لقيهن فيه فوعظهن وأمــرهن فكان فيما قال لهن: « ما منكن امرأة تقدِّم ثلاثة من ولدها إلا كانوا لها حجاباً من النار. فقالت امرأة: واثنين؟ فقال: واثنين».
الأمر الثاني: أن النبي صلى الله عليه وسلم حذر من فتنة النساء، وأخبر أنها من أشد ما يخشاه على أمته، فقال: « ما تركت بعدي فتنةً هي أضر على الرجال من النساء».
ومن ثم كان لا بد من الاعتناء بذلك، سواء فيما يتعلق بدعوة المرأة وإصلاحها، أو التحذير من فتنة النساء وخطورتها.
الأمر الثالث: أن لـصـــلاح الـمــرأة واستقامتها الأثر البالغ على صلاح الأسرة؛ فهي الأم والمربية؛ والشباب والفتيات إنما يـنـشـــــؤون في أحضانها، فلا غنى لنا حين نريد تكوين الأسرة المسلمة عن الاعتناء بدعوة المرأة وإصلاحها.
الأمر الرابع: أن دعاة التغريب قد تبنوا قـضـية المرأة ورفعوا لواءها، وولجوا جحر الضب الذي ولجه الأعداء، وهي دعوة محمومة وصوت نشاز يرفعه هؤلاء الببغاوات في وقت بدأ يعلن فيه عقلاء الغرب والشرق التراجع عما يطـرحــونه في قضية المرأة، فبدؤوا يدعون إلى فصل التعليم، ويدعو بعضهم إلى الحجاب، وإلى عــودة المرأة إلى منزلها... ومع ذلك يسير هؤلاء الأذناب كالقطيع يريدون أن يبدؤوا من حيث بدأ هؤلاء.
الوقفة الثانية: منجزات الصحوة في قضية المرأة:
حين نتحدث عن الخطاب الدعوي في قضية المرأة فإن العدل والإنصاف يستوجب علينا أن نذكر المنجزات والنتائج الإيجابية التي حققها الدعاة إلى الله ـ عز وجل ـ. وليس صحيحاً أن تكون اللغة الوحيدة التي نجيدها هي لغة النقد وتعداد الأخطاء.
فمن المنجزات التي حققها الدعاة إلى الله ـ تعالى ـ في قضية المرأة:
1 - تأخر دعوة التغريب والتحرر، ولولا فضل الله ـ عــز وجل ـ ثم جهود الدعاة للحقت تلك البلاد بسائر بلاد المسلمين.
2 - تغيرت لغة دعاة التغريب والعلمنة ، وباتوا أقل جرأة منذ بداية الدعوة لتحرير المرأة ، فأصـبـحـنــا نسمع كثيراً في حديثهم التمسح بعبارات "في إطار الشريعة السمحة" "فيما لا يتعارض مع شـــريعتنا وتقاليدنا"، وندرك أن ذلك لا يعني تغير الموقف، لكنه شاهد على أثر الدعوة والصحوة الإسلامية.
3 - الصحوة والـعـــودة إلى الله التي تحققت في أوساط النساء، ولعل من أبرز الشواهد على ذلك انتشار الـحـجاب في البلاد التي كانت سباقة في دعوات التحرر ؛ ففي جامعة كانت سباقة في دعوة التحـرر في إحدى العواصم لم يكن يوجد إلا طالبة واحدة محجبة، واليوم انتشر في تلك الجامعة وغيرها الحجاب حتى فاق النصف ، ولعل ما حصل في تركيا ـ التي كانت أول من رفع لـــواء العلمنة والتغريب في العالم الإسلامي ـ من ضجة حول الحجاب دليل على ما حققته الصحوة في هذا الميدان.
4 - بروز قيادات دعوية نسائية لها حضور واضح ومتميز في الساحة الدعوية.
5 - بروز أنشطة دعوية نسائية، كـالـمـجــــلات النسـائـيـة، ودور تحفيظ القرآن الكريم ومدارسه.
ومع هذا الجهد إلا أن العمل البشري لا بد أن تصاحبه ثـغـــــرات وقصور، وحين تتجذر القضية وتتعقد عواملها تتسع هذه الثغرات، فنحتاج للمراجعة النقــديــة لواقعنا بين آونة وأخرى.
الوقفة الثالثة: حول محتوى الخطاب الدعوي:
يلمس القارئ لهذا الخطاب سمات من أهمها:
أ - الدائرة العامة والخاصة:
يـغـلـب على كـثـيـر مـــن المتحدثين إلى المرأة التركيز على قضايا محددة وتكرارها، حتى أصبحت مَنْ تحضر مجلـسـاً من هذه المجالس تتوقع ألا تسمع إلاحديثاً حول الحجاب ـ وبالأخص حول بعض مظاهر التحايل عليه ـ أو الخروج إلى الأسواق، أو طاعة الزوج ... إلخ، وهي قضايا لا اعتراض عـلـــى طرحها ومناقشتها والتأكيد عليها، ولا اعتراض على أنها مما تحتاجه النساء اليوم؛ لكـن هذا أخذ أكبر من حجمه، وأصبح على حساب أمور أخرى ربما كانت أكثر منه أهمية، بل ربما كان إصلاحها يختصر علينا خطوات كثيرة.
إن هناك أحكاماً وآداباً شرعية خـاصــــة بالنساء دون الرجال، وما سوى ذلك فالأصل أن الخطاب فيه للجميع، والدائرة التي يشترك فيها الرجال والنساء أوسع بكثير من الدائرة التي تختص بها النساء، لكن المتحدث إلى المرأة غالباً ما يحصر نفسه في الدائرة الخاصة شعوراً منه بخصوصية المخاطبات.
إن الحديث عن الإيمان والتقوى والـتـوكــل على الله والـتـخــلـص مــن التعلق بما سواه، والحديث عن العبادات وأهميتها، والحديث عن أخطار المعاصي وآثارهــا، والحديث عن الآداب والحقوق التي ينبغي للمسلم رعايتها، والحديث عن اليوم الآخر وما أعد الله فيه للمطيعين والعصاة، والحديث عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والنصيحة وأهمية ذلك ووسائله، وطلب العلم والوسائل المعينة على تحقيقه، والحديث عن واقع الأمة ومسؤولية المسلمين تجاهه، فضلاً عن التربية وأهميتها ووسائلها وبرامجها؛ إن الحـــديث عن ذلك كله مما تفتقر إليه المرأة شأنها شأن الرجل، فلماذا يغيب ذلك في خطابنا الـدعـوي الموجه للمرأة؟!
ب ـ الخطاب الموجه لغير المهتديات:
لئن كانت الفتيات المهتديات، واللاتي يرتَدْنَ المساجد ودور القرآن الكريم يناسبهن خطاب معين، فالأخريات لهن شأن غير ذلك ، إن الفتاة التي تعيش في عالم التيه والضياع، والفتاة التي تعيش همَّ الحب والعلاقة مع الطرف الآخــر ، والتي تعيش بين المسلسلات والقنوات الفضائية تحتاج لخطاب غير الذي تحتاجه المهتدية الصالحة.
فحين يكون الحديث معها دائراً حول الحجاب وخـطـــــورة التساهل فيه، وحول أحكام خروج المرأة... إلخ فإنها تشعر أنها لن تسمع جديـداً، لن تـسـمــع إلا الحــديــث حــول الأحـكام والحـلال والحــرام، وفـرق بين أن لا نقرها على هذا التصور والكلام، وبـيـن أن نتعامل مع الأمر الواقع بما لا يتعارض مع الشرع.
لـقــد كان صلى الله عليه وسلم يحدِّث الناس بما يناسبهم وما يفقهون؛ فالأعراب يدعوهم للإســـلام من خلال إعطائهم المال وترغيبهم فيه، وعدي بن حاتم يحدثه عن الأمن الذي سينشأ حـيـنـمــا يدين الناس بدين الإسلام، والكاهن يحدثه بحديث بيِّن فصيح بعيد عن الكهانة... وهكذا.
فلِمَ لا يكون الحـديـث مــــع أمثال هؤلاء حديثاً عن السعادة والطمأنينة؟ حديثاً عن القلق والمشكلات التي سيطرت على الناس اليوم، وأن العلاج لذلك هو الإيمان والرجوع إلى الله؟ لِمَ لا نستعين بنتائج الدراســــات المعاصرة التي تثبت أثر التدين على استقرار حياة الناس وتجاوز مشكلاتهم؟ ولِمَ لا نـتـنــاول الـحـديــث عن اليوم الآخر ونربط ذلك بواقع الناس بطريقة تخاطب مشاعرهم وعواطفهم وعقولهم.. إلخ.
ج - أهمية شمول الطرح والمعالجة:
لا بد من تناول قضية المرأة تناولاً شمولياً، وأخــذ الأمر من جميع جوانبه دون الاستجابة لتناول دعاة التغريب لجوانب معينـة يحددونهـــا ويريدون أن تكــون هـي موضـع النقاش والحـوار، كقضـية قيادة السيارة، أو غطاء الوجه أو نحو ذلك؛ وهي قضايا ترتبط ببعضها ارتباطاً وثيقاً، فقضية قيادة السيارة ترتبط بالخــروج من المنزل، واتساع مجالات التعرض للفتنة والإغراء، وترتبط بالحجاب... وهكذا.
وكثيراً ما يطرح هؤلاء مسائل مما ورد فيها اختلاف فقهي، كقضية كشف الوجه ونحوها ـ وبغض النظر عن عدم جدية هؤلاء فيما يطرحونـــــه، وأن مسألة الخلاف الفقهي إنما هي تكأة أكثر من أن تكون منطلقاً حقيقياً ـ فرفض الدعــــــاة لها لا ينبغي أن ينطلق من منطلق الترجيح الفقهي فقط، بل من النظر إليها باعتبارها جــــزءاً من منظومة ودائرة متكاملة لا يمكن فصل جزئياتها عن بعض.
إن الأمـــر يختلف حين تناقش هـذه المسائل لدى الفقهـاء، وحين يثيرها طائفة مـن دعـاة تحـريـر المـرأة، فـلا يسوغ أن نتحدث مع هؤلاء بلغة الخلاف الفقهي المجرد.
د - مناصرة المرأة وتبني قضاياها:
إن مما رفع أسهم دعاة التحرير والتغريب لدى الناس وأوجد لأقوالهم صدى وقبولاً: انطلاقهم مـــن مبدأ نصرة قضية المرأة والدفاع عن حقوقها؛ وبالفعل فإنهم أحياناً ينتقدون بعض الأوضاع الخاطئة للمرأة في المجتمع.
والدعاة إلى الله ـ تبارك وتعالى ـ هــم أوْلى الــنــاس بنصرة قضية المرأة والدفاع عن حقوقها المشروعة، وانتقاد الظلم الذي ينالها، ومن ذلك: حقها في حسن الرعاية والعشرة؛ فبعض الأزواج يسيء معاملة زوجته ويهينها، وربما تعــامل معها على أنها خادم، أو سلعة، أو شيء دنس. ومن ذلك: الأوضاع الخاطئة والعادات المخالفة للشرع في تزويجها، كالمغالاة في المهر، واعتباره ميداناً للكسب المادي، وأخذ والدهـــــا لكثير من مهرها الذي هو حق لها، ومن ذلك العَضْلُ وتأخير تزويجها طمعاً في الاستفادة من راتبها حين تكون عاملة.
والدعاة حين يسعون لمناصرة قضايا المرأة والدفاع عنها لهـــم أسوة حسنة بالنبي صلى الله عليه وسلم؛ فقـد اعتنى بعلاج ما يقع من خطأ تجاه المرأة؛ فـــعــــن سليمان بن عمرو بن الأحوص قال: حدثني أبي أنه شهد حجة الوداع مع رسول الله صـلـــى الله عليه وسلم، فحمد الله وأثنى عليه، وذكَّر ووعظ ، فذكر في الحديث قصة فقال: « ألا واستوصوا بالنساء خيراًَ ؛ فإنما هن عوانٍ عندكم ، ليس تملكون منهن شيئاً غير ذلك إلا أن يأتـيــن بفــاحشة مبينة ؛ فإن فعلن فاهجروهن في المضاجع واضربوهن ضرباً غير مبرح، فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلاً. ألا إن لكم على نسائكم حقاً، ولنسائكم عليكم حقاً؛ فأما حقكم على نسائكم فــــــلا يوطِئن فُرُشَكم من تكرهون، ولا يأذَنَّ في بيوتكم لمن تكرهون، ألا وحقهن عليكم أن تحسنوا إليهن في كسوتهن وطعامهن ».
وعن إيـــــــاس بن عبد الله بن أبي ذباب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « لا تضربوا إمــاء الله» فجاء عمر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ذَئِرْنَ النساء على أزواجهن؛ فرخص في ضربهن، فأطاف بآل رسول الله صلى الله عليه وسلم نساء كثير يشكون أزواجهن فقال النبي صلى الله عليه وسلم: « لقد طاف بآل محمد نساء كثير يشكين أزواجهن ليس أولئك بخياركم ».
والاعتناء بهذا الجانب يبرز الدعاة إلى الله بأنهم الأنصار الحقيقيون للمرأة، وهم المدافعون عن قضيتها.
هـ - مجالات التركيز في الدعوة والخطاب:
لا بد من مراجعة هادئة لمجالات التركيز في دعوة المرأة وخطابها، ومن الأمور المهمة التي تحكم التركيز في خطاب المرأة:
1 - الأمور الأشد مصادمة للأصول الشرعية تكون لها الأولوية في المعالجة سواء كانت هذه المصادمة مباشرة أو غير مباشرة بل نتيجة المآلات.
2 - الفئات الأشــــد تأثراً، ولعل فئات الفتيات اللاتي في مراحل التعليم هن أكثر الفئات تأثراً واستعداداً للـتـجــــــــاوب مع التغيير سلباً وإيجاباً، فالاعتناء بهذه الطبقة وتوجيه الخطاب المناسب لها، والـسـعـي لاسـتـثــارة همم من يتعامل معهن من الآباء والمعلمات أمر ينبغي أن يحظى بأولوية واعتبار.
3 - الـمـتغيرات السلبية الحديثة والطارئة تستحق تركيزاً أكثر من غيرها؛ لأنها لم تستقر في المجـتـمـــــع ولم تنتشر؛ فمن السهولة مواجهتها، وتركها قد يفتح المجال واسعاً أمام انتشارها في المجـتـمـــــــع وتقبُّله لها، وانتقالها -من مرحلة الحالات الفردية إلى أن تكون ظاهرة، ثم تتطور إلى أن تصبح قيمة اجتماعية- يصعب تغييره.
4 - الجوانب المخالفة للشرع في حالها أو مآلها والتي يراد قطع خطوات عملية لإقرارها وتنفيذها؛ فالتصدي لها ومواجهتها أمر ينبغي أن يكون له أولوية، حتى لو قدمت على ما هو أهم منها مما لم يأخذ طريقه للتنفيذ.
الوقفة الرابعة: حول منهجية الخطاب وتتمثل في:
أ - تأصيل مبدأ التسليم:
لا بد من الاعتناء بتأصيل مـبــدأ الـتـسـلـيــم والخضوع لله ـ تبارك وتعالى ـ والوقوف عند شرعه، والتأكيد على ذلك، وأن المسلم لا خيار له في التسليم لأمر الله سواء أدرك الحكمة أم لم يدركها {ومَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ ولا مُؤْمِنَةٍ إذَا قَضَى اللَّهُ ورَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} [الأحزاب: 63]، {فَلا ورَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ ويُسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [النساء: 56].
وحين نُعـنـى بتحقـيـق الإيمان والتسليم لله ـ عز وجل ـ فإننا نختصر خطوات كثيرة على أنفسنا، وتؤتي دعوتنا ثمارها بإذن الله ـ عز وجل ـ.
وينبغي أن نحذر مما تـسـعـى إليه بـعـض وسائل الإعلام المضللة التي تعقد حوارات حول القضايا الشرعية، فتجعل الحـكــــــم الشرعي رأياً آخر، ووجهة نظر قابلة للنقاش، وهي الخطوة الأولى التي يريدها دعاة التغريب والعلمنة.
ب - الاعتماد على المنهج العلمي:
مما نحتاجه عند تناولنا لقضية المرأة أن نـتـحـدث حـديـثــــــاً علمياً يحترم عقول الناس وتفكيرهم، فلم يعد الناس اليوم يقبلون أن يملي عليهم أحد ـ كـــائــنــــــاً من كان ـ آراءه واقتناعاته الشخصية.
فـحـيـن نـتـحــدث عن أن خروج المرأة للعمل يؤثر على رعاية منزلها وتربية أولادها فإننا نحتاج إلى أن نـسـتـشـهـد على صحة ما نقول بالدراسات العلمية التي أثبتت ذلك، وحين نتحدث عن صلة الاخـتـلاط وخـــــــروج المرأة بالجريمة، وحين نتحدث عن أثر العفاف والمحافظة على الاستقرار والنجاح في العلاقات الزوجية ... إلخ نحتاج في ذلك كله إلى أن ندعم ما نقوله بالأدلة العلمية، وبنتائج الدراسات المتخصصة.
ولدينا اليوم رصيد من الدراسات العلمية لا يزال حبيس الرفوف؛ فالاستفادة منه وتوظيفه أمر له أهميته، يضاف إلى ذلك ضــرورة إجراء دراسات علمية حول كثير من القضايا التي يُحتاج إليها، وينبغي استثمار مراكـــز الـبـحــوث، وأعضاء هيئة التدريس في الجامعات، وربما كانت هذه الدراسات الجادة أوْلى مما يـطـــرح في الساحة من كتب وكتيبات لا تزيد على بضعة نُقُول من كتابات قديمة .
ج - التفريق بين العادات والأحكام الشرعية:
ترتبط العادات ارتباطاً وثيقاً بقضية المرأة؛ إذ لا يخلو مجتـمــع من المجتمعات من عادات تختص بهذا الجانب؛ ولأن معظم العادات القبلية في المجتمعات الإسلامية تتسم بقدر من المحافظة، فقد يختلط الأمر لدى بعض الغيورين فيخلطون بين عــــــادات تواضــع عليها المجتمع وأصبحت جزءاً من ثقافته، وبين الأحكام الشرعية؛ فيصرون على الإبـقــاء على هذه العادات والمنافحة عنها، وقد لا يكون لها أصل في الشرع.
والأمـــــــر في ذلك يحتاج إلى الاعتدال؛ فالعادات التي ليس لها أصل من الشرع لا ينبغي الإصرار عـلــى التمسك بها والمنافحة عنها، فضلاً عن ربطها بالشرع، وفي المقابل لا ينبغي الإصرار على تحـطـيـمـهـا ونبذها بحجة أنها مما لم يأت بها الشرع، فما كان منها حسناً فليبق عليه، وما كان سيئاً فليترك.
د - الاعتناء بالضوابط الشرعية والحذر من تجاوزها:
لما كانت فتنة المرأة من أشد الفتن وأضرها أحاطها الشرع بالضوابط والأحكام التي تقلل من تأثيرها.
لذا فلا بد من الاعتناء بهذه الضوابط والالتزام بها، فقد يدفع حــــرص بعض الدعاة على نشر الدعوة وتوسيع نطاقها إلى السعي للتخفف من هذه الضوابط وتجاوزها.
وقد يكون الأمر ناشئاً عن ردة فعل تجاه ما يطرحه الآخر ويَصِمُ به الإســـــلاميين؛ فيبالغ بعض الدعاة في التحرر من الضوابط الشرعية، وربما يشن هجوماً غير متزن عـلــــى أولئك الذين يلتزمون بها.
إنـــه ليس من المقبول أن يبالغ أحد الدعاة في انتقاد فصل الرجال عن النساء في المؤتمرات والـمـنـتـديات الدعوية، أو يطلب أن تقدمه إلى الجمهور امرأة وتتولى قراءة الأسئلة، أو أن تصبح قـضـيــــــة فصل مصلى الرجال عن النساء من أكبر ما يتصدى لإنكاره في بلد يقطع خطوات حثيثة نحو التغريب وتحرير المرأة!
الوقفة الخامسة: الموقف من دعاة التغريب والتحرر ويتمثل ذلك في الآتي:
أ - التفريق بين من يتناولون قضية المرأة:
لقد حمل لواء الدعوة إلى تحرر المرأة وتغريب المجتمع الـمـسـلـــم طــائفة من رجال التيار العلماني، وسعوا بمكر ودهاء لسلوك أي طريق يمكن أن يوصلهم إلى أهـــدافـهــم المشبوهة، ولأن هؤلاء يسلكون أساليب ملتوية في طرح أفكارهم، ويتظاهرون بالدفاع عن قـضـيـة المـرأة والـسـعـي لإعـطــــائها حقوقها المسلوبة فقد سايرهم في ذلك طائفة من الكتاب والصحفيين والمثقفين مـمــن لا يحمل التوجه والفكر العلماني، إنما هم من المتأثرين بما يطرحه أولئك، وكثيراً ما يطرح المتأثرون بهم قضايا تتفق مع ما يسعى إليه أولئك.
فينبغي عند تناول القـضـيـــــة والحديث عن المخالفين ألا نحشر الجميع في زاوية واحدة ودائرة واحدة؛ ففرق بين من يـســــاير هؤلاء فيما يطرحون وبين من يحمل الفكر والتوجه العلماني.
ولقد فرق السلف بين أهل البدع، فأهل الأهواء والزندقة ليسوا كمن عرف عنه إرادة الخير وتحريه لكنه وافق بعض أهل البدع فـي بدعـتـهـم، والداعية إلى البدعة المنافح عنها ليس كغيره، وأصحاب البدع المكفرة ليسوا كمن دونهم من أصحاب البدع المفسقة.
ب - البعد عن الحديث عن النوايا:
إن الحق يجب أن يقال، والباطل يجب أن يواجــه ويبين للناس؛ لكن ثمة فرق بين بيان الحق والرد على المبطل، وبين الحكم على صاحبــــه؛ فنحن في أحيان كثيرة نشن انتقاداً لاذعاً لكل من يطرح طرحاً مخالفاً في قضية المرأة وغيـرهـــا، ولا نقف عند هذا الحد، بل نتهم الكاتب والمتحدث بسوء النية، وخبث الطوية... إلخ.
فليكن النقاش منصبّاً على الفكرة وعلى الموضوع، أما رموز التيار العلماني، ومن يحمل فكراً سيئاً فهؤلاء ينبغي أن يُفضحوا بالطريقة المناسبة ليس من خلال كتاب أو مقال واحد، بل من خلال رصد واسع لتوجهاتهم وأفكارهم، وأن يكون ذلك بطريقة تقنع الناس.
ج - النقد العلمي الموضوعي:
حين يتناول هؤلاء قضية المرأة أو غيرها فإنهم يُدبِّجون حديـثـهم بحجج ومسوغات تضفي عليه صبغة الموضوعية والحياد العلمي، وكثيراً ما يوظفون نـتـائــج البحث العلمي توظيفاً مضلِّلاً.
والملاحَظ أن كثيراً من ردود الدعاة على هؤلاء تتسم بالتشنج والـعـاطـفــــة، وتأخذ منحى الحكم على الأشخاص، والحديث عن المؤامرات التي تحاك على المرأة، ويـتـجـــاهـلــون النقاش العلمي الموضوعي لما يطرحه أولئك من مسوِّغات.
وهــــــذا الطرح إن أقنع فئات من المتأثرين بالدعاة، فإنه لن يقنع فئات أخرى ممن يعني الدعاة إقناعهم، بل ربما أسهم في إقناعهم بوجهة نظر الآخر.
إن الدعـــــاة أحوج ما يكونون إلى إتقان لغة الحوار، والحديث العلمي الموضوعي، وإلى أن يدركوا أن مجــــرد كـونـهـــم ناصحين غيورين لن يجعل الناس منصتين لهم ينتظرون ما يطرحونه ويتلقونه بالتسليم والقبول.
الوقفة السادسة: لا بد من الاعتناء بالبناء والإعداد:
ينبغي الاعتناء بالبناء والإعــــداد، وألا تكون مواقفنا مجرد ردود أفعال لما يثيره الأعداء؛ فحين تثار قضية نتفاعل معـهــا، ونكثر الحديث حولها وننسى ما سواها، ومن ثم تصبح دعوتنا مجرد انعكاس لما يثيره ويطرحه دعاة التغريب والتحرر.
ومع أن هذا لا يعني إهمال القـيـــام بواجب الإنكار وبيان الموقف الشرعي في القضايا التي تثار، وأن ذلك ينبغي أن يكون في وقته، إلا أن الاعتراض على أن يكون هذا هو وحده محور الحديث ومنطلقه.
والحديث الناشئ عن ردة الفعل سـيـتـحـكم في مضمونه ومحتواه ما يطرحه ويثيره الآخر، ومن ثم فلن يكون متكاملاً أو متوازناً في تناوله للقضية.
الوقفة السابعة: لا بد من التركيز على البرامج العملية:
لا يسوغ أن يبقى جهد الدعاة منحصراً في إطــــــار الخطاب النظري وحده، بل لا بد من الانطلاق إلى برامج عملية ومن هذه البرامج المهمة:
أ - الاعتناء بتربية الفتيات وتنشئتهن ، وهذا يتطلب من الدعاة إلى الله أن يعتنوا ببيوتهم ويعطوها من أوقاتهم.
ب - الاعتناء بإعداد برامج ومناهج تربوية تـتـفـــق مع طبيعة المرأة بحيث تكون متاحة للجميع ليستفيدوا منها.
ج - نـظـــراً لطبيعة المرأة وقلة الفرص المتاحة لها لتلقِّي التربية والتوجيه في مقابل ما هو متاح للـشـباب، فــــــــــإن هذا يستلزم الاعتناء بإيجاد محاضن للمرأة تتلقى فيها التربية والتوجيه، كدور القرآن ومــدارسـه، وأن تُطَوَّر هذه المحاضن ويُرتَقَى بها، وأن تتضافر في ذلك الجهود ولا يكون الأمر مختصاً بفئة يسيرة من المهتمين.
ماذا يريدون من المرأة..؟!
أساليب تغريب المرأة وآثارها
إن فـســـاد الـمـــرأة فساد للأسرة كلها وللمجتمع بأسره لما له من أثر عميق على الناشئة والشباب، ولعل أبرز مــــا نراه اليوم هـو هذا التخطيط المرسوم بدقة والذي أخذ طريقه إلى المدارس والجامعات فأدى إلى تغريب المرأة وعلمنتها وابتعادها عن دينها.
كما أصبح الإعلام الحديث بجميع ألوانـه سلاحاً يفتك بالمرأة ويغريها على الفساد خاصة أنه قد بلغ من الإبداع والتأثير قدراً كبيراً جــعـل من المستحيل مقاومة إغرائه، وقد اعتمد هذا الإعلام في معظم برامجه ومصنفاته الفنية والإعـــلانيـة اعتمـاداً محـورياً علـى مظهــر المـرأة ومفاتنها سواء أكان في التلفاز أو الإذاعة أو الصحف والمجلات أو الإنترنت مؤخراً.
ولا شك أن الانحراف الخطير الذي تردت فيه المرأة قــد أصبح ظاهرة واضحة في المجتمع تشهد عليه تلك الآثار المستشرية في كافة مناحي الحياة الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والسياسية، فضلاً عن خروجه عن مبادئ الدين الصحيح وتعاليمه الأخلاقية والإيمانية.
ولا يخفى على الناظر البصير أن هذه الظاهرة في معظمهـا هي ثمرة لمخططات الاستعماريين والعلمانيين التي وضعت بهدف إفساد المجتمع وتفريــغـــه من المقومات المستمدة من دينه القويم وتراثه الخالد، وبذلك فَقَدَ قدرته على التماسك أمــام ضــربـــات الاستعمار الغربي وأصبح لقمة سائغة له.
وقــــد توسلت هذه المخططات بعديد من الشعارات الزائفة البراقة التي تتخفى تحت مبدأ مساواة المرأة بالرجل وتحرير المرأة من قيود الدين والعرف.
وإمعانــاً في إتمام هذه الخطة الخبيثة تم وضع عملاء من أمثال (مرقص فهمي) الذي أصدر كتاب "الـمـــرأة في الشرق" ونادى فيه المرأة إلى رفع الحجاب والاختلاط بمحافل الرجال، وهاجم فيه أحكــام الشريعة الإسلامية التي تحرِّم زواج المسلمة بغير المسلم ودعا إلى التمرد على هذه الأحكام.
وفي عام 1911م تأسـس فـي مــصـــــــر "حزب بنت النيل" الذي طالب بتحرير المرأة من الحجاب وتقييد الطلاق وكان من قياداتــه القديمة درية شفيق، وأمينة السعيد وغيرهما.
وفي عام 1913م دعيت هدى شعراوي لحضور مؤتمر الاتحاد النسائي الدولي بروما، وكان من توصياته: العمل على تعديل قوانين الطلاق لوقفه، ومنع تعدد الزوجات، وتقرير حرية المرأة في السفور والاختلاط.
وأصدر قاسم أمين كتابه: "الـمــرأة الجديدة" الــــذي نادى فيه بالاتجاه الأعمى إلى تقليد الغرب فكرياً واجتماعياً، وعلى دربه سار سعيد عقــل ولويس عوض ولطفي السيد ونجيب محفوظ، وعديد من أعضاء المحفل الماسوني، ومن الـشـعــراء صادق الزهاوي، ونزار قباني وغيرهم.
ومما زاد الطين بلة قيام زعيم وطني بتمزيق النقاب من فوق وجه فتاة مسلمة في أكبر ميدان في مصر، كما أمر زوجته بحرق الحجاب أمام الجمهور.
ومن فضل الله ـ تعالى ـ أن قيَّض للأمة الإسلامية في هذا الوقت علماء مجاهدين وقفوا بكل قواهم لصد هذه المخططات ولتفنيد هذه الدعوات المشبوهة مما كان له أثره في التخفيف من مساوئها.
الآثار التي ترتبت على إفساد المرأة:
أولاً: مؤشرات عامة تظهر عمق ما أصيبت به المرأة والمجتمع:
1- البعد عن الدين: وذلك بعدم معرفتها لعقيدته السمحة وفروضه وسنته وشريعته العادلة وأخـلاقه الرشيدة، وكذلك عدم الالتزام بأداء العبادات من صلاة وصيام وزكاة وحج وعمرة وذكر وتــلاوة وحفظ للقرآن الكريم واستغفار وحمد لله ـ تعالى ـ ودعاء وأمر بالمعروف ونهي عن المنكر و تواصٍ بالحق و تواصٍ بالصبر.
وقد تمرد بعضهن على تعاليم الدين وتنكرن لعقائده وعباداته وأحكامه مخالفات لقول الله ـ تعالى ـ:{ومَا أُمِرُوا إلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ ويُقِيمُوا الصَّلاةَ ويُؤْتُوا الزَّكَاةَ وذَلِكَ دِينُ القَيِّمَةِ} [البينة: 5].
2- اتـبـــاع الشيطان وهوى النفس: وبذلك تمرغت في أوحال الفسوق والانحلال، وسارت خلف نوازع النفس الأمارة بالسوء، وانطبق عليها قول الله ـ تعالى ـ: {ومَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ} [القصص: 50]، وأنكرت قوله ـ تـعـالى ـ: {فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وقُلْنَ قَوْلاً مَّعْروفاً (32) وقَرْنَ فِي بُيُوتِـكُـنَّ ولا تَـبَـرَّجْـــنَ تَبَرُّجَ الجَاهِلِيَّةِ الأُولَى} [الأحزاب: 32، 33] وقد ورد عديد من الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذا الصنف من النساء نذكر منها:
عن أبي سعيد الخدري مرفوعاً: « إياكم وخضراءَ الدمن! قالوا: وما خضراء الدمن يا رسول الله؟ قال: المرأة الحسناء في المنبت السوء » .
روى الـنـسـائي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « أيما امرأة استعطرت فمرت على قوم ليجدوا ريحها فهي زانية ».
وروى كذلك:« لـعـن رســـول الله صلى الله عـلـيـه وسـلــم الـمتشبهين مـن الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال ».
3- الـتـنـكـر لـلآداب الـديـنـيـة: مثل الحجاب وغض البصر وعدم الاختلاط بالرجال إلا بضوابطها الشرعية؛ فهي لا تـقـيـم وزنـــاً لتعاليم الدين التي تنهــى المــرأة عن الخــروج كاشفة لملابسها الفاضحة، أو متزينة بالجـواهـــر والحـلي البراقة، أو متعطرة، أو متحلية بالأصباغ في وجههــا خـــارج بيتها حتى لا تفـتن الرجال، وقد روى أبو هريرة قول النبي صلى الله عليه وسلم: « صنفان من أهل النار: أحدهما نـســـــــاء كاسيات عاريات مائلات مميلات رؤوسهن كأسنمة البخت لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها ».
4 - تضييع الوقت فيما يضر: فالوقت هو الحياة؛ وهذا الصنف من النساء يقتلن وقتهن في السهر في الملاهي التي تغضب الله ـ تعالى ـ كمشاهـدة الأفـلام الخليعـة ، وفي قــراءة الكتب والصحف والروايات التي لا تراعي الآداب والأخلاق القويمة فـيـمــــا تنشر، وفي مجالس الغيبة والنميمة والتآمر على الفضيلة وإفساد ذات البين ، وغير ذلك من الآثام.
5 - مصاحبة أقران السوء : فالصحبة الفاسدة لها أثر كبير في نشر الفـســـاد ؛ فهي كعدوى الأمراض ينتشر خطرها بالاختلاط خاصة بين النساء والرجال كما سبق ذكره.
6 - انشغال المرأة بالعمل والاشتراك في النشاط الاجتماعي والاقتصادي والـسـيـاســي على حساب بيتها وأبنائها ؛ والإسلام أباح للمرأة أن تعمل إذا ألجأتها الضرورات الاجتـمـاعية إلـى الـعـمــــل لا أن يكون هذا نظاماً عاماً، وعليها حينئذ أن تراعي الشروط التي وضعها الإسلام لإبعاد فتنة المرأة عن الرجل وفتنة الرجل عن المرأة .
وقد أثبتت التجربة الغربية الآثار السلبية لعمل المرأة ، ونذكر منها:
· فـي الـولايــات المـتحدة دخل المستشفى أكثر من 5600 طفل في عام واحد متأثرين بضرب أمهاتهم العاملات لهم ، ومنهم نسبة كبيرة أصيبوا بعاهات.
· فـي مـؤتمـر لـلأطــبــاء عـقــد في ألمانيا قال الدكتور كلين رئيس أطباء مستشفى النساء: إن الإحصاءات تبين أن مـن كـل ثمـانية نساء عاملات تعاني واحدة منهن مرضاً في القلب وفي الجـهــــاز الدموي، ويرجع ذلك ـ في اعتقاده ـ إلى الإرهاق غير الطبيعي الذي تعاني منه المرأة العاملة ـ كما تبين أن الأمراض النسائية التي تتسبب في موت الجنين أو الولادة قبل الأوان قد تـعـــــود إلى الوقوف لمدة طويلة أو الجلوس المنحني أمام منضدة العمل أو حمل الأشياء الثقيلة، بالإضافة إلى تضخم البطن والرجلين وأمراض التشوه".
· توصلت نتائج دراسات أذاعتها وكالات أنباء غربية في 17/7/1991م إلى أنــه خــــــلال الـعـامـيــن الـسـابـقـين هجرت مئات من النساء العاملات في ولاية واشنطن أعمالهن وعدن للبيت.
· نـشـــرت مؤسسة الأم التي تأسست عام 1938م في الولايات المتحدة الأمريكية أن أكثر من 15 ألف امرأة انضممن إلى المؤسسة لرعايتهن بعد أن تركن العمل باختيارهن.
· في استفتاء نشرته مؤسسة أبحاث السوق عام 1990م، في فرنسا أجري على 2.5 مليون فتاة في مجلة ماري كير كانت هناك نسبة 90% مـنهــن ترغبن العودة إلى البيت لتتجنب التوتر الدائم في العمل ولعدم استطاعتهن رؤية أزواجـهـــن وأطفالهن إلا عند تناول طعام العشاء.
· وفي الولايات المتحدة 40% من النساء العاملات، وفي السويد 60% منهن، وفي ألمانيا 30%، وفي الاتحاد السوفييتي (سابقاً) 28% يعانين من التوتر والقلق وأن نسبة 76% من المهدئات تصرف للنساء العاملات.
· أما في الاتحاد السوفييتي فقد ذكر الرئيس السابق "جورباتشوف" في كتابه عن البروستريكا أن الـمـرأة بعد أن اشـتـغـلـت فـي مـجالات الإنتاج والخدمات والبناء وشاركت في النشاط الإبداعي لم يعد لديها وقت للقيام بواجباتها اليومية من أعمال المنزل وتربية الأطفال.
وأضاف قوله: "لقد اكتشفنا أن كثيراً من مشاكلنا في سلوك الأطفال والشباب وفي معنوياتنا وثقافتنا وإنتاجنا تعود جميعاً إلى تدهـــور العلاقات الأسرية، وهذه نتيجة طبيعية لرغبتنا الملحة والمسوَّغة سياسياً بضرورة مساواة المرأة بالرجل".
· وفي دول الخليج ظهرت مشكلة من لون آخر فقد زاد عدد المربيات الأجنبيات بسبب عدم تفرغ الأم لرعاية أطفالها، ولو وضعنا فـي الاعـتـبـار أن نسبة كبيرة من هؤلاء المربيات غير مسلمات، وأن معظمهن يمارسن عباداتهن الخاصة أمــــام أطفال المسلمين ، وأسوأ من ذلك أنهن يزاولن علاقات جنسية مع أصدقاء في منازل مخدومـيـهــــن بالإضافة إلى احتسائهن للخمر وتدخين السجائر بمصاحبة الأطفال ، ندرك حـجــم الخـطــر الذي يهدد الأسرة المسلمة بسبب تحرر المرأة من تعاليم دينها وإهمالها لواجباتها نحو أولادها وبيتها.
ثانياً: مشكلات أصابت الأبناء من الجنسين:
وهــــذه مشكلات تشاهد في الجيل الجديد منذ الطفولة حتى من الشباب وتشمل مشكلات تربوية ومشكلات تعليمية وثقافية.
فالمرأة الـصـالـحــــة ذات الدين إذا كانت زوجة ولها أبناء تؤدي واجبها في تربية الأبناء ورعايتهم بما توفــره للأسرة من سعادة، فينشأ الأبناء في رعايتها نشأة سليمة بدنياً ونفسياً وثقافياً بحيث يلتزمـون بالعقيدة الصحيحة ويمارسون العبادة لله الخالق العظيم على أكمل وجه ، ويتمسكون بالأخـلاق الحميدة والسلوك السوي والصراط المستقيم والبر والتقوى.
أما النساء المنحرفات فـهـن محضن لكل فساد، وقدوة سيئة لأبنائهن في كل نواحي الحياة وفي كل أعمارهم منذ طفولتـهـم؛ فـهم لا يكتسبون منهن إلا القيم الفاسدة والعادات السيئة والصفات الذميمة، وهن يتركنهم بدون الرقابة الواجبة ولا التوجيه الرشيد؛ حيث تربيهم الخادمات الجاهلات أو المربيات الأجـنـبـيــات فيغرسن فيهم أسوأ الخصال وأرذل القيم؛ ولذلك آثار لا تمحى في أعماق نفوس الأبناء تلازمهم في مستقبل حياتهم مما يكون له نتائج لا شعورية في كل سلوكهم، وقد يؤدي إلى إخـفـاقـهـم في الدراسة والعمل بل في تكيفهم مع المجتمع.
أما دور الأم فـي تـعـلـيم أولادها وبناتها خاصة قبل سن التعليم فهو في غاية الأهمية؛ فإن الطفل يخرج إلى الحياة مجرداً عن العلم بأي شيء؛ تـأمــل قــــول الله ـ تعالى ـ: {واللَّهُ أَخْرَجَكُم مِّنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً وجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ والأَبـْصَــارَ والأَفْـئِـــدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [النحل: 78]، والأم هي التي تـقـــوم بتعليم أطفالها استخدام هذه الأجـهــزة الربانية في الحركة والكلام والأكل والإمساك بالأشياء واللعب، كما يتعلمون من الأم والأب وغيرهما من المصاحبين لهم اللغة، ويعرفون بالسماع أسماءهم التي ينادون بها، ثم يلي ذلك تعلم القراءة والكتابة البسيطة والنطق الصحيح للألفاظ ويحفظون اسم الله ـ تعالى ـ ومبادئ الدين.
وهـــذا الــدور الهام لا يمكن أن تؤديه الأم المنشغلة عـن أولادهـا التي تقضي وقتها خارج بيتها، كما لا تصلح له الأم الجاهلة بأمور دينها ودنياها وبواجباتها نحو أطفالها.
وعندما يجـتاز الأطفال هذه المرحلة يكون دور الأم في تحصيل أبنائها العلمي مساعداً لدور المدرسة؛ فـهـي تـعـاونـهــم على أداء واجباتهم الدراسية في المنزل كما تهيئ لهم الأجواء المناسبة في البيت للشعور بالـراحـــة والأمان والحنان والحب مما يكسبهم الثقة في النفس والتفاؤل والثقة في المستقبل، كما تتولى الأم الإجابة على تساؤلات أبنائها في هذه المرحلة التي يكونون فيها دائمي السؤال عن كل ما يخطر على بالهم؛ ويتوقف على مدى صواب إجابات الأم امتلاء عقولهم وقلوبهم بحقائق الحياة وتعرفهم على الفرق بين الحق والباطل والخير والشر والخطأ والصواب.
وأهمية دور الأم في هذه المرحلة في تـعـلـيـم أبـنـائـهــا دينهم ومراقبـة ممارستهم للعبادات والتزامهم بالسلوك والأخلاق التي يحض عليها الإسلام وتـعـريفـهـــم تعاليم الدين المتعلقة بالمجتمع وآدابه في كل شيء؛ وذلك استكمالاً لمقررات الدين في المدرســة ومراقبة تطبيقهم لهذه المعارف والآداب. وهناك أمور تحتاجها الفتاة من الأم تختص بـهـا دون الولد تعتمد على علم الأم بها واهتمامها بها بتبليغ بناتها بها في الوقت المناسب وتدريـبـهـن علـيـها، نذكر منها ما تحتاجه البنت من معلومات عند البلوغ وواجباتها الخاصة في تدبير الـمنزل وخدمة الأسرة لتعرف حقوق الزوج والأبناء والبيت عندما تتزوج.
وهــــذه الواجبات السابق ذكرها لا يمكن أن تؤديها الأم الفاسدة، أضف إلى ذلك أن فساد عقيدة الأم يؤدي إلى دفع أولادها نحو الالتحاق بالمدارس الأجنبية ومن ثَمَّ بالثقافة الغربية مما يكون له أثر بالغ في نشأة شخصيتهم غريبة عن مجتمعهم ودينهم.
ثالثاً:مشكلات أصابت الرجال من أزواج وأقارب كما أصابت المجتمع كله:
1- تأثيرها على الزوج:
حـيـث قــــد يدفـعــــه فسادها إلى ارتكاب المعاصي وإلى طريق الشيطان والبعد عن الصراط المستقيم، كما أن عدم الـتزامها بالحجاب وتبرجها أمام الرجال يثير سخط زوجها وغيرته عليها مما يكون له أثره في ارتكاب الزوج لردود أفعال لجنون الغيرة غير محمودة العواقب.
والمرأة التي لا تحترم الحياة الزوجية تضـر بالأســـرة وتهـدد بتحطيمها بالطلاق أو بإهمال الرجــل لبيته أو بالاتجاه إلى زوجة أخرى، أو الهروب إلى المقاهي ودور اللهو؛ وكثيراً ما تكون سبباً في إدمانه للتدخين والمخدرات والمسكرات.
ومشكلة الطلاق في الغرب تعبر عن هذه الظاهرة في بلاد تعيب على الإسلام إباحته للطلاق؛ فقد بلغت نسبة الطلاق إلى عدد الزيجات في السويد 60%، وفي الولايات المتحدة الأمريكية 40%، وفـي ألـمـانيا 30%، وفي الاتحاد السوفييتي 28%، وفي فنلندا 14%. وتذكـر هـــذه الدراسة التي نشرتها مجلة شتيرن من ألمانيا أن ثلثي الراغبات في الطلاق في فرنسا يمارسن عملاً خارج البيت وأن 22% من حالات الطلاق في ألمانيا نتيجة الخيانة الزوجية، و10% منها لأسباب جنسية، و10% منها بسبب الإدمان.
أمـا في العالم العربي فقد وصلت مشكلة الطلاق إلى حجم غير مألوف مما يحتاج إلى دراسة مستقلة.
ومــــن المشكلات الاجتماعية عزوف المرأة عن الإنجاب؛ حيث لا ترغب في تحمل متاعب الحمــــــل والـوضــع؛ وقــد يدفعها ذلك إلى الإجهاض، وقد تقصر المرأة العاصية في تلبية حاجات زوجها الجنسية مما يؤدي به إلى الزنى أو الشذوذ.
وقد يؤثر ذلك على صحة الزوج بدنياً ونفسياً، ويجعله عرضة للأمراض الجنسية والنفسية وغيرها.
قـد تدفــع المرأة إلى انحراف زوجها مالياً لكي يحقق الثراء والكسب الحرام تلبية لمطالبها من الملابـس الفاخرة والمجوهرات والسهرات الماجنة والحفلات الصاخبة.
2 - تأثيرها على الرجال من الأقارب والآخرين:
المرأة التي لا تلتزم بتعاليم دينها في الحجاب وعدم الاختلاط بالرجال لها خطر عظيم على مجتمع الرجال، لذلك فقد حرص الإسلام على أن يباعد بين الجنسين إلا بالزواج لما يتبع هذا الاختلاط والتبرج من ضياع للأعراض وخبث للطوايا وفـســـــاد للنفوس وتهدم للبيوت وشقاء للأسر.
وقد لوحظ في المجتمعات المختلطة بين الجنسين طراوة في أخلاق الشباب ولين في الرجولة إلى حد الخنوثة والرخاوة.
والـمـرأة الـتي تـخـالـط الـرجــال تتفنن في إبداء زينتها ولا يرضيها إلا أن تثير في نفوسهم الإعجاب بها؛ ولذلك أثره في الإســــراف فـي تكـاليف التبرج والزينة المؤدي إلى الخراب والفقر.
ويـتـرتــب على ذلك انتشار الفحشاء والزنى والأمراض المصاحبة لها في الدنيا، وفي الآخرة عذاب عظـيم لمخالفة تعليم رب العالمين نذكرمنها قول الله ـ تعالى ـ: {قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِـمْ ويَـحْـفَـظُــــــوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (30) وقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَـــارِهِــــنَّ ويَحْفَظْنَ فَرُوجَهُنَّ ولا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا ولْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ ولا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إخْوَانِـهِــنَّ أَوْ بَنِي إخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الإرْبَــةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ ولا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وتُوبُوا إلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا المُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [النور: 30، 31].
وقــــوله ـ تعالى ـ: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لأَزْوَاجِـــكَ وبَنَاتِكَ ونِسَاءِ المُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ} [الأحزاب: 95].
وعن عبد الله بن مسعود ـ رضي الله عنه ـ قال: قـال رســول الله صلى الله عليه وسلم عن ربه ـ عز وجل ـ: « النظرة سهم مسموم من سهام إبليس من تـركـهــا مخافتي أبدلته إيماناً يجد حلاوته في قلبه ».
وروي عن أبي أمامة ـ رضي الله عنه ـ عــن رســـول الله صلى الله عليه وسلم قال: « إياك والخلوة بالنساء! والذي نفسي بيده! ما خلا رجـل بامرأة إلا دخل الشيطان بينهما، ولأن يزحم رجل خنزيراً ملطَّخاً بالطين خير له من أن يزحــم مـنكـبـيـه مـنكـب امـرأة لا تحل له » .
أخـــرج النسائي: قول النبي صلى الله عليه وسلم: « أيما امرأة استعطرت فمرت على قوم ليجدوا ريحها فهي زانية وكل عين زانية » .
وإثم مخـالـفــة تعاليم الله ـ تعالى ـ لا تقف على النساء فقط بل على المخالفين من الرجال؛ ولا يعذرون عـنــد الحـســـــاب لا في الدنيا ولا في الآخرة بأنهم كانوا فريسة لفساد النساء ولغواية الشيطان بعــد أن حذرهـم الله ـ تعالى ـ.
3 - تأثيرها على المجتمع كله:
هــــذه المشكلات التي تهز اليوم أركان الأسرة والمجتمع بشدة كمشكلة الاغتصاب وخطف الفتيات والأطفال غير الشرعيين وأولاد الشوارع كلها من آثار فساد المرأة. وقد ظهرت حديثاً ظاهرة انتشار ما يسمى بالزواج العرفي الذي وضع الأسرة أمام مشكلات جديدة تضع غطاءً يخفي الفساد الاجتماعي الناتج عن انحراف الفتيات ويؤثر على مستقبل الأجيال القادمة.
كـمـا زادت نسبة جرائم الأحداث والتشرد والتسول والأطفال المعاقين وهي نتيجة لتحطم الأسرة الفاسدة وانحراف الزوجين وإهمال الأبناء.
وأخيراً:
هـنـاك مشكلات اقتصادية تؤثر على المجتمع ترتبت على انحراف المرأة العاملة فضلاً عن انخـفــاض إنتاجيتها؛ فإنها تؤثر على إنتاجية زوجها وأولادها العاملين وتعوق تفوقهم في العمل وتفرغهم للإنتاج؛ ولذلك أثره المدمر على الاقتصاد الوطني.
وختامــاً فإن الحمد والفضل لله ـ تعالى ـ الذي أنزل للإنسانية كتابه الكريم الذي فيه شفاء لكل أمراضهـا وعلاج لكل مشكلاتها وهداية لها من الضلال. وقال ـ عز وجل ـ: {يَا أَهْلَ الـكِـتَـابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِّمَّا كُنتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الكِتَابِ ويَعْفُو عَن كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُـم مِّــنَ اللَّهِ نُــورٌ وكِـتَــــابٌ مُّبِينٌ (15) يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ ويُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إلَى النُّورِ بِإذْنِهِ ويَهْدِيهِمْ إلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} [المائدة: 15، 16]، كـما تكفل ـ عز وجل ـ بحفظه إلى يوم الدين؛ حيث قال: {إنا نحن نزّلنا الذَكر وإنا له لحافظون} [الحجر: 9].
وذلك يبعث الأمل في الإصلاح بالرجوع إلى كتاب الله ـ تعالى ـ وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم والتمسك بهما والعودة إلى المجتمع الإسلامي الفاضل.
ونسأل الله ـ تعالى ـ أن يرزقنا الإيمان ويوفقنا إلى طاعته ذكوراً وإناثاً وبذلك يتحقق صلاح الأمة بأسرها في الدنيا وتنال رضوان الله ـ تعالى ـ في الآخرة.
ماذا يريدون من المرأة..؟!
المرأة.. وخطوات نحو التربية
ثلاثة عشر عاماً هي تلك التي أمـضــاهــــا النبي صلى الله عليه وسلم في مكة باذلاً جهده ووقته وثمين دعوته في تربية جيل الصحابة أثمرت أفراداً قلائل.. وشخصيات معدودة.. ولكنها قلة ضربت أروع الأمثلة في الثبات يـوم كـثـر الـنـفـاق بعد بدر.. قلة ولكن كتب لها النصر دون عشرة آلاف من الطلقاء الذين انهزموا في حنين.. قــلـة ثـبـتت على عهدها يوم ارتدَّت قبائل العرب بعد موته صلى الله عليه وسلم.. لقد كان النبي صـلـى الله عليه وسلم عميق الفكرة.. بعيد النظرة.. حين صرف الوقت الذهبي من دعوته في تربـيـــة ذلك الجيل الأول من الصحابة.. كيف لا!! وهم نجوم النور.. وخير أهل الأرض.
فـلـنـتـجاوز أربعة عشر قرناً من تاريخنا الممدود لنصل اليوم إلى منظر هذه الجموع النسائية التي تتوجـه يومياً إلى مراكز تحفيظ القرآن الكريم وغيرها من المراكز الإسلامية لسماع كلمة حق في تـفـسـيـر آيــة أو شرح حديث.. والتي تدفع إلى الابتسامة والتمتمة بكلمات الحمد والثناء لله.. ثم الإعجاب بتلك الجهود والتضحيات التي ـ ولا شك ـ كانت وراء كل قلب اهتدى وكل رِجْل قدَّمتِ الخُطا..
إن هذه الجموع التي تـصــمُّ آذانها عن نعيق الغربان معلنة التحدي أمام كل مغريات الزمن وفتنه.. لهي جموع تنظر بعين الحاجة والافتقار إلى من يأخذ بيدها ويحسن توجيهها.. وهنا بالذات يأتي دور التربية.. فإننا لا نعاني من الكم! وإنما من الكيف!
خطوات نحو التربية:
لو أخذت أي بذرة من بذور الأرض ووضـعـتـهــا في إناء زجاجي أو على رف من الخشب فإنها لن تنبت مهما طالت المدة حتى تضعها في أرض خـصـبـة وتـتـعـاهـدهـــا بماء وسقيا وتعرضها لحرارة الشمس، ثم ما تزال معها تهذبها وتشذب أطرافها وتحسن توجـيـهـهــا وتـزيـل عـنـهـــــا ما يؤذيها حتى تشتد وتخضر وتقف على ساقها.. وهذا ما تعنيه
وقفات مع الخطاب الدعوي في قضية المرأة..
إن الحديث عن تقويم الخطاب الدعوي فـي قـضـيــة المرأة يحتاج إلى دراسة علمية واسعة تعتمد على حصر النتاج الذي يتناول قضية المرأة وتحـلـيـــل مضمونه تحليلاً علمياً؛ وهذا مشروع علمي يحتاج إلى جهد واسع، ولعله أن يكون ميدان اهـتـمــــام بعض المختصين.
ورغبة في الإسهام في هذا الملف الذي تنشره المجلة أحببت أن أسطر بعـــض الـوقـفــــات الـسـريـعــة الـتي لا تــعــدو أن تكون خواطر وانطباعات شخصية أكثر منها دراسة علمية موضوعية.
الوقفة الأولى: لماذا يُعنى الدعاة بقضية المرأة؟
يـعــــــد موضوع المرأة من الموضوعات الساخنة والحيوية لدى الدعاة إلى الله ـ عز وجل ـ، وقلما نجـد مناسبة للحديث والكتابة إلا وتتضمـن شيئاً يتعلق بالمرأة، ولعل الذي أدى إلى أهميـة قضيـة المـرأة لـدى الدعـاة إلى الله ـ عز وجل ـ أمور، منها:
الأمر الأول: التـأســـي بالـنـبي صلى الله عليه وسلم في دعوته؛ فقد كان يولي المرأة عناية واهتماماً؛ فكان صلى الله علـيــه وسلم حين يصلي العيد يتجه إلى النساء فيعظهن ويأمرهن بالصدقة؛ فعن ابن عباس ـ رضـــــي الله عنهما ـ قال: "خرجت مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم فطر أو أضحى فصلى ثم خـطــــب، ثــم أتى الـنـســاء فوعظهن وذكَّرهن وأمرهن بالصدقة".
ولم يقتصر الأمر على استثمار اللقاءات العابرة، بل خصص لهن النبي صلى الله عليه وسلم يـومـــاً يحدثهن فيه؛ فعن أبي سعيد الخدري ـ رضي الله عنه ـ قال: "قالت النساء للنبي صلى الله علـيه وسلم: غلبنا عليك الرجال فاجعل لنا يوماً من نفسك. فوعدهن يوماً لقيهن فيه فوعظهن وأمــرهن فكان فيما قال لهن: « ما منكن امرأة تقدِّم ثلاثة من ولدها إلا كانوا لها حجاباً من النار. فقالت امرأة: واثنين؟ فقال: واثنين».
الأمر الثاني: أن النبي صلى الله عليه وسلم حذر من فتنة النساء، وأخبر أنها من أشد ما يخشاه على أمته، فقال: « ما تركت بعدي فتنةً هي أضر على الرجال من النساء».
ومن ثم كان لا بد من الاعتناء بذلك، سواء فيما يتعلق بدعوة المرأة وإصلاحها، أو التحذير من فتنة النساء وخطورتها.
الأمر الثالث: أن لـصـــلاح الـمــرأة واستقامتها الأثر البالغ على صلاح الأسرة؛ فهي الأم والمربية؛ والشباب والفتيات إنما يـنـشـــــؤون في أحضانها، فلا غنى لنا حين نريد تكوين الأسرة المسلمة عن الاعتناء بدعوة المرأة وإصلاحها.
الأمر الرابع: أن دعاة التغريب قد تبنوا قـضـية المرأة ورفعوا لواءها، وولجوا جحر الضب الذي ولجه الأعداء، وهي دعوة محمومة وصوت نشاز يرفعه هؤلاء الببغاوات في وقت بدأ يعلن فيه عقلاء الغرب والشرق التراجع عما يطـرحــونه في قضية المرأة، فبدؤوا يدعون إلى فصل التعليم، ويدعو بعضهم إلى الحجاب، وإلى عــودة المرأة إلى منزلها... ومع ذلك يسير هؤلاء الأذناب كالقطيع يريدون أن يبدؤوا من حيث بدأ هؤلاء.
الوقفة الثانية: منجزات الصحوة في قضية المرأة:
حين نتحدث عن الخطاب الدعوي في قضية المرأة فإن العدل والإنصاف يستوجب علينا أن نذكر المنجزات والنتائج الإيجابية التي حققها الدعاة إلى الله ـ عز وجل ـ. وليس صحيحاً أن تكون اللغة الوحيدة التي نجيدها هي لغة النقد وتعداد الأخطاء.
فمن المنجزات التي حققها الدعاة إلى الله ـ تعالى ـ في قضية المرأة:
1 - تأخر دعوة التغريب والتحرر، ولولا فضل الله ـ عــز وجل ـ ثم جهود الدعاة للحقت تلك البلاد بسائر بلاد المسلمين.
2 - تغيرت لغة دعاة التغريب والعلمنة ، وباتوا أقل جرأة منذ بداية الدعوة لتحرير المرأة ، فأصـبـحـنــا نسمع كثيراً في حديثهم التمسح بعبارات "في إطار الشريعة السمحة" "فيما لا يتعارض مع شـــريعتنا وتقاليدنا"، وندرك أن ذلك لا يعني تغير الموقف، لكنه شاهد على أثر الدعوة والصحوة الإسلامية.
3 - الصحوة والـعـــودة إلى الله التي تحققت في أوساط النساء، ولعل من أبرز الشواهد على ذلك انتشار الـحـجاب في البلاد التي كانت سباقة في دعوات التحرر ؛ ففي جامعة كانت سباقة في دعوة التحـرر في إحدى العواصم لم يكن يوجد إلا طالبة واحدة محجبة، واليوم انتشر في تلك الجامعة وغيرها الحجاب حتى فاق النصف ، ولعل ما حصل في تركيا ـ التي كانت أول من رفع لـــواء العلمنة والتغريب في العالم الإسلامي ـ من ضجة حول الحجاب دليل على ما حققته الصحوة في هذا الميدان.
4 - بروز قيادات دعوية نسائية لها حضور واضح ومتميز في الساحة الدعوية.
5 - بروز أنشطة دعوية نسائية، كـالـمـجــــلات النسـائـيـة، ودور تحفيظ القرآن الكريم ومدارسه.
ومع هذا الجهد إلا أن العمل البشري لا بد أن تصاحبه ثـغـــــرات وقصور، وحين تتجذر القضية وتتعقد عواملها تتسع هذه الثغرات، فنحتاج للمراجعة النقــديــة لواقعنا بين آونة وأخرى.
الوقفة الثالثة: حول محتوى الخطاب الدعوي:
يلمس القارئ لهذا الخطاب سمات من أهمها:
أ - الدائرة العامة والخاصة:
يـغـلـب على كـثـيـر مـــن المتحدثين إلى المرأة التركيز على قضايا محددة وتكرارها، حتى أصبحت مَنْ تحضر مجلـسـاً من هذه المجالس تتوقع ألا تسمع إلاحديثاً حول الحجاب ـ وبالأخص حول بعض مظاهر التحايل عليه ـ أو الخروج إلى الأسواق، أو طاعة الزوج ... إلخ، وهي قضايا لا اعتراض عـلـــى طرحها ومناقشتها والتأكيد عليها، ولا اعتراض على أنها مما تحتاجه النساء اليوم؛ لكـن هذا أخذ أكبر من حجمه، وأصبح على حساب أمور أخرى ربما كانت أكثر منه أهمية، بل ربما كان إصلاحها يختصر علينا خطوات كثيرة.
إن هناك أحكاماً وآداباً شرعية خـاصــــة بالنساء دون الرجال، وما سوى ذلك فالأصل أن الخطاب فيه للجميع، والدائرة التي يشترك فيها الرجال والنساء أوسع بكثير من الدائرة التي تختص بها النساء، لكن المتحدث إلى المرأة غالباً ما يحصر نفسه في الدائرة الخاصة شعوراً منه بخصوصية المخاطبات.
إن الحديث عن الإيمان والتقوى والـتـوكــل على الله والـتـخــلـص مــن التعلق بما سواه، والحديث عن العبادات وأهميتها، والحديث عن أخطار المعاصي وآثارهــا، والحديث عن الآداب والحقوق التي ينبغي للمسلم رعايتها، والحديث عن اليوم الآخر وما أعد الله فيه للمطيعين والعصاة، والحديث عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والنصيحة وأهمية ذلك ووسائله، وطلب العلم والوسائل المعينة على تحقيقه، والحديث عن واقع الأمة ومسؤولية المسلمين تجاهه، فضلاً عن التربية وأهميتها ووسائلها وبرامجها؛ إن الحـــديث عن ذلك كله مما تفتقر إليه المرأة شأنها شأن الرجل، فلماذا يغيب ذلك في خطابنا الـدعـوي الموجه للمرأة؟!
ب ـ الخطاب الموجه لغير المهتديات:
لئن كانت الفتيات المهتديات، واللاتي يرتَدْنَ المساجد ودور القرآن الكريم يناسبهن خطاب معين، فالأخريات لهن شأن غير ذلك ، إن الفتاة التي تعيش في عالم التيه والضياع، والفتاة التي تعيش همَّ الحب والعلاقة مع الطرف الآخــر ، والتي تعيش بين المسلسلات والقنوات الفضائية تحتاج لخطاب غير الذي تحتاجه المهتدية الصالحة.
فحين يكون الحديث معها دائراً حول الحجاب وخـطـــــورة التساهل فيه، وحول أحكام خروج المرأة... إلخ فإنها تشعر أنها لن تسمع جديـداً، لن تـسـمــع إلا الحــديــث حــول الأحـكام والحـلال والحــرام، وفـرق بين أن لا نقرها على هذا التصور والكلام، وبـيـن أن نتعامل مع الأمر الواقع بما لا يتعارض مع الشرع.
لـقــد كان صلى الله عليه وسلم يحدِّث الناس بما يناسبهم وما يفقهون؛ فالأعراب يدعوهم للإســـلام من خلال إعطائهم المال وترغيبهم فيه، وعدي بن حاتم يحدثه عن الأمن الذي سينشأ حـيـنـمــا يدين الناس بدين الإسلام، والكاهن يحدثه بحديث بيِّن فصيح بعيد عن الكهانة... وهكذا.
فلِمَ لا يكون الحـديـث مــــع أمثال هؤلاء حديثاً عن السعادة والطمأنينة؟ حديثاً عن القلق والمشكلات التي سيطرت على الناس اليوم، وأن العلاج لذلك هو الإيمان والرجوع إلى الله؟ لِمَ لا نستعين بنتائج الدراســــات المعاصرة التي تثبت أثر التدين على استقرار حياة الناس وتجاوز مشكلاتهم؟ ولِمَ لا نـتـنــاول الـحـديــث عن اليوم الآخر ونربط ذلك بواقع الناس بطريقة تخاطب مشاعرهم وعواطفهم وعقولهم.. إلخ.
ج - أهمية شمول الطرح والمعالجة:
لا بد من تناول قضية المرأة تناولاً شمولياً، وأخــذ الأمر من جميع جوانبه دون الاستجابة لتناول دعاة التغريب لجوانب معينـة يحددونهـــا ويريدون أن تكــون هـي موضـع النقاش والحـوار، كقضـية قيادة السيارة، أو غطاء الوجه أو نحو ذلك؛ وهي قضايا ترتبط ببعضها ارتباطاً وثيقاً، فقضية قيادة السيارة ترتبط بالخــروج من المنزل، واتساع مجالات التعرض للفتنة والإغراء، وترتبط بالحجاب... وهكذا.
وكثيراً ما يطرح هؤلاء مسائل مما ورد فيها اختلاف فقهي، كقضية كشف الوجه ونحوها ـ وبغض النظر عن عدم جدية هؤلاء فيما يطرحونـــــه، وأن مسألة الخلاف الفقهي إنما هي تكأة أكثر من أن تكون منطلقاً حقيقياً ـ فرفض الدعــــــاة لها لا ينبغي أن ينطلق من منطلق الترجيح الفقهي فقط، بل من النظر إليها باعتبارها جــــزءاً من منظومة ودائرة متكاملة لا يمكن فصل جزئياتها عن بعض.
إن الأمـــر يختلف حين تناقش هـذه المسائل لدى الفقهـاء، وحين يثيرها طائفة مـن دعـاة تحـريـر المـرأة، فـلا يسوغ أن نتحدث مع هؤلاء بلغة الخلاف الفقهي المجرد.
د - مناصرة المرأة وتبني قضاياها:
إن مما رفع أسهم دعاة التحرير والتغريب لدى الناس وأوجد لأقوالهم صدى وقبولاً: انطلاقهم مـــن مبدأ نصرة قضية المرأة والدفاع عن حقوقها؛ وبالفعل فإنهم أحياناً ينتقدون بعض الأوضاع الخاطئة للمرأة في المجتمع.
والدعاة إلى الله ـ تبارك وتعالى ـ هــم أوْلى الــنــاس بنصرة قضية المرأة والدفاع عن حقوقها المشروعة، وانتقاد الظلم الذي ينالها، ومن ذلك: حقها في حسن الرعاية والعشرة؛ فبعض الأزواج يسيء معاملة زوجته ويهينها، وربما تعــامل معها على أنها خادم، أو سلعة، أو شيء دنس. ومن ذلك: الأوضاع الخاطئة والعادات المخالفة للشرع في تزويجها، كالمغالاة في المهر، واعتباره ميداناً للكسب المادي، وأخذ والدهـــــا لكثير من مهرها الذي هو حق لها، ومن ذلك العَضْلُ وتأخير تزويجها طمعاً في الاستفادة من راتبها حين تكون عاملة.
والدعاة حين يسعون لمناصرة قضايا المرأة والدفاع عنها لهـــم أسوة حسنة بالنبي صلى الله عليه وسلم؛ فقـد اعتنى بعلاج ما يقع من خطأ تجاه المرأة؛ فـــعــــن سليمان بن عمرو بن الأحوص قال: حدثني أبي أنه شهد حجة الوداع مع رسول الله صـلـــى الله عليه وسلم، فحمد الله وأثنى عليه، وذكَّر ووعظ ، فذكر في الحديث قصة فقال: « ألا واستوصوا بالنساء خيراًَ ؛ فإنما هن عوانٍ عندكم ، ليس تملكون منهن شيئاً غير ذلك إلا أن يأتـيــن بفــاحشة مبينة ؛ فإن فعلن فاهجروهن في المضاجع واضربوهن ضرباً غير مبرح، فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلاً. ألا إن لكم على نسائكم حقاً، ولنسائكم عليكم حقاً؛ فأما حقكم على نسائكم فــــــلا يوطِئن فُرُشَكم من تكرهون، ولا يأذَنَّ في بيوتكم لمن تكرهون، ألا وحقهن عليكم أن تحسنوا إليهن في كسوتهن وطعامهن ».
وعن إيـــــــاس بن عبد الله بن أبي ذباب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « لا تضربوا إمــاء الله» فجاء عمر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ذَئِرْنَ النساء على أزواجهن؛ فرخص في ضربهن، فأطاف بآل رسول الله صلى الله عليه وسلم نساء كثير يشكون أزواجهن فقال النبي صلى الله عليه وسلم: « لقد طاف بآل محمد نساء كثير يشكين أزواجهن ليس أولئك بخياركم ».
والاعتناء بهذا الجانب يبرز الدعاة إلى الله بأنهم الأنصار الحقيقيون للمرأة، وهم المدافعون عن قضيتها.
هـ - مجالات التركيز في الدعوة والخطاب:
لا بد من مراجعة هادئة لمجالات التركيز في دعوة المرأة وخطابها، ومن الأمور المهمة التي تحكم التركيز في خطاب المرأة:
1 - الأمور الأشد مصادمة للأصول الشرعية تكون لها الأولوية في المعالجة سواء كانت هذه المصادمة مباشرة أو غير مباشرة بل نتيجة المآلات.
2 - الفئات الأشــــد تأثراً، ولعل فئات الفتيات اللاتي في مراحل التعليم هن أكثر الفئات تأثراً واستعداداً للـتـجــــــــاوب مع التغيير سلباً وإيجاباً، فالاعتناء بهذه الطبقة وتوجيه الخطاب المناسب لها، والـسـعـي لاسـتـثــارة همم من يتعامل معهن من الآباء والمعلمات أمر ينبغي أن يحظى بأولوية واعتبار.
3 - الـمـتغيرات السلبية الحديثة والطارئة تستحق تركيزاً أكثر من غيرها؛ لأنها لم تستقر في المجـتـمـــــع ولم تنتشر؛ فمن السهولة مواجهتها، وتركها قد يفتح المجال واسعاً أمام انتشارها في المجـتـمـــــــع وتقبُّله لها، وانتقالها -من مرحلة الحالات الفردية إلى أن تكون ظاهرة، ثم تتطور إلى أن تصبح قيمة اجتماعية- يصعب تغييره.
4 - الجوانب المخالفة للشرع في حالها أو مآلها والتي يراد قطع خطوات عملية لإقرارها وتنفيذها؛ فالتصدي لها ومواجهتها أمر ينبغي أن يكون له أولوية، حتى لو قدمت على ما هو أهم منها مما لم يأخذ طريقه للتنفيذ.
الوقفة الرابعة: حول منهجية الخطاب وتتمثل في:
أ - تأصيل مبدأ التسليم:
لا بد من الاعتناء بتأصيل مـبــدأ الـتـسـلـيــم والخضوع لله ـ تبارك وتعالى ـ والوقوف عند شرعه، والتأكيد على ذلك، وأن المسلم لا خيار له في التسليم لأمر الله سواء أدرك الحكمة أم لم يدركها {ومَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ ولا مُؤْمِنَةٍ إذَا قَضَى اللَّهُ ورَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} [الأحزاب: 63]، {فَلا ورَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ ويُسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [النساء: 56].
وحين نُعـنـى بتحقـيـق الإيمان والتسليم لله ـ عز وجل ـ فإننا نختصر خطوات كثيرة على أنفسنا، وتؤتي دعوتنا ثمارها بإذن الله ـ عز وجل ـ.
وينبغي أن نحذر مما تـسـعـى إليه بـعـض وسائل الإعلام المضللة التي تعقد حوارات حول القضايا الشرعية، فتجعل الحـكــــــم الشرعي رأياً آخر، ووجهة نظر قابلة للنقاش، وهي الخطوة الأولى التي يريدها دعاة التغريب والعلمنة.
ب - الاعتماد على المنهج العلمي:
مما نحتاجه عند تناولنا لقضية المرأة أن نـتـحـدث حـديـثــــــاً علمياً يحترم عقول الناس وتفكيرهم، فلم يعد الناس اليوم يقبلون أن يملي عليهم أحد ـ كـــائــنــــــاً من كان ـ آراءه واقتناعاته الشخصية.
فـحـيـن نـتـحــدث عن أن خروج المرأة للعمل يؤثر على رعاية منزلها وتربية أولادها فإننا نحتاج إلى أن نـسـتـشـهـد على صحة ما نقول بالدراسات العلمية التي أثبتت ذلك، وحين نتحدث عن صلة الاخـتـلاط وخـــــــروج المرأة بالجريمة، وحين نتحدث عن أثر العفاف والمحافظة على الاستقرار والنجاح في العلاقات الزوجية ... إلخ نحتاج في ذلك كله إلى أن ندعم ما نقوله بالأدلة العلمية، وبنتائج الدراسات المتخصصة.
ولدينا اليوم رصيد من الدراسات العلمية لا يزال حبيس الرفوف؛ فالاستفادة منه وتوظيفه أمر له أهميته، يضاف إلى ذلك ضــرورة إجراء دراسات علمية حول كثير من القضايا التي يُحتاج إليها، وينبغي استثمار مراكـــز الـبـحــوث، وأعضاء هيئة التدريس في الجامعات، وربما كانت هذه الدراسات الجادة أوْلى مما يـطـــرح في الساحة من كتب وكتيبات لا تزيد على بضعة نُقُول من كتابات قديمة .
ج - التفريق بين العادات والأحكام الشرعية:
ترتبط العادات ارتباطاً وثيقاً بقضية المرأة؛ إذ لا يخلو مجتـمــع من المجتمعات من عادات تختص بهذا الجانب؛ ولأن معظم العادات القبلية في المجتمعات الإسلامية تتسم بقدر من المحافظة، فقد يختلط الأمر لدى بعض الغيورين فيخلطون بين عــــــادات تواضــع عليها المجتمع وأصبحت جزءاً من ثقافته، وبين الأحكام الشرعية؛ فيصرون على الإبـقــاء على هذه العادات والمنافحة عنها، وقد لا يكون لها أصل في الشرع.
والأمـــــــر في ذلك يحتاج إلى الاعتدال؛ فالعادات التي ليس لها أصل من الشرع لا ينبغي الإصرار عـلــى التمسك بها والمنافحة عنها، فضلاً عن ربطها بالشرع، وفي المقابل لا ينبغي الإصرار على تحـطـيـمـهـا ونبذها بحجة أنها مما لم يأت بها الشرع، فما كان منها حسناً فليبق عليه، وما كان سيئاً فليترك.
د - الاعتناء بالضوابط الشرعية والحذر من تجاوزها:
لما كانت فتنة المرأة من أشد الفتن وأضرها أحاطها الشرع بالضوابط والأحكام التي تقلل من تأثيرها.
لذا فلا بد من الاعتناء بهذه الضوابط والالتزام بها، فقد يدفع حــــرص بعض الدعاة على نشر الدعوة وتوسيع نطاقها إلى السعي للتخفف من هذه الضوابط وتجاوزها.
وقد يكون الأمر ناشئاً عن ردة فعل تجاه ما يطرحه الآخر ويَصِمُ به الإســـــلاميين؛ فيبالغ بعض الدعاة في التحرر من الضوابط الشرعية، وربما يشن هجوماً غير متزن عـلــــى أولئك الذين يلتزمون بها.
إنـــه ليس من المقبول أن يبالغ أحد الدعاة في انتقاد فصل الرجال عن النساء في المؤتمرات والـمـنـتـديات الدعوية، أو يطلب أن تقدمه إلى الجمهور امرأة وتتولى قراءة الأسئلة، أو أن تصبح قـضـيــــــة فصل مصلى الرجال عن النساء من أكبر ما يتصدى لإنكاره في بلد يقطع خطوات حثيثة نحو التغريب وتحرير المرأة!
الوقفة الخامسة: الموقف من دعاة التغريب والتحرر ويتمثل ذلك في الآتي:
أ - التفريق بين من يتناولون قضية المرأة:
لقد حمل لواء الدعوة إلى تحرر المرأة وتغريب المجتمع الـمـسـلـــم طــائفة من رجال التيار العلماني، وسعوا بمكر ودهاء لسلوك أي طريق يمكن أن يوصلهم إلى أهـــدافـهــم المشبوهة، ولأن هؤلاء يسلكون أساليب ملتوية في طرح أفكارهم، ويتظاهرون بالدفاع عن قـضـيـة المـرأة والـسـعـي لإعـطــــائها حقوقها المسلوبة فقد سايرهم في ذلك طائفة من الكتاب والصحفيين والمثقفين مـمــن لا يحمل التوجه والفكر العلماني، إنما هم من المتأثرين بما يطرحه أولئك، وكثيراً ما يطرح المتأثرون بهم قضايا تتفق مع ما يسعى إليه أولئك.
فينبغي عند تناول القـضـيـــــة والحديث عن المخالفين ألا نحشر الجميع في زاوية واحدة ودائرة واحدة؛ ففرق بين من يـســــاير هؤلاء فيما يطرحون وبين من يحمل الفكر والتوجه العلماني.
ولقد فرق السلف بين أهل البدع، فأهل الأهواء والزندقة ليسوا كمن عرف عنه إرادة الخير وتحريه لكنه وافق بعض أهل البدع فـي بدعـتـهـم، والداعية إلى البدعة المنافح عنها ليس كغيره، وأصحاب البدع المكفرة ليسوا كمن دونهم من أصحاب البدع المفسقة.
ب - البعد عن الحديث عن النوايا:
إن الحق يجب أن يقال، والباطل يجب أن يواجــه ويبين للناس؛ لكن ثمة فرق بين بيان الحق والرد على المبطل، وبين الحكم على صاحبــــه؛ فنحن في أحيان كثيرة نشن انتقاداً لاذعاً لكل من يطرح طرحاً مخالفاً في قضية المرأة وغيـرهـــا، ولا نقف عند هذا الحد، بل نتهم الكاتب والمتحدث بسوء النية، وخبث الطوية... إلخ.
فليكن النقاش منصبّاً على الفكرة وعلى الموضوع، أما رموز التيار العلماني، ومن يحمل فكراً سيئاً فهؤلاء ينبغي أن يُفضحوا بالطريقة المناسبة ليس من خلال كتاب أو مقال واحد، بل من خلال رصد واسع لتوجهاتهم وأفكارهم، وأن يكون ذلك بطريقة تقنع الناس.
ج - النقد العلمي الموضوعي:
حين يتناول هؤلاء قضية المرأة أو غيرها فإنهم يُدبِّجون حديـثـهم بحجج ومسوغات تضفي عليه صبغة الموضوعية والحياد العلمي، وكثيراً ما يوظفون نـتـائــج البحث العلمي توظيفاً مضلِّلاً.
والملاحَظ أن كثيراً من ردود الدعاة على هؤلاء تتسم بالتشنج والـعـاطـفــــة، وتأخذ منحى الحكم على الأشخاص، والحديث عن المؤامرات التي تحاك على المرأة، ويـتـجـــاهـلــون النقاش العلمي الموضوعي لما يطرحه أولئك من مسوِّغات.
وهــــــذا الطرح إن أقنع فئات من المتأثرين بالدعاة، فإنه لن يقنع فئات أخرى ممن يعني الدعاة إقناعهم، بل ربما أسهم في إقناعهم بوجهة نظر الآخر.
إن الدعـــــاة أحوج ما يكونون إلى إتقان لغة الحوار، والحديث العلمي الموضوعي، وإلى أن يدركوا أن مجــــرد كـونـهـــم ناصحين غيورين لن يجعل الناس منصتين لهم ينتظرون ما يطرحونه ويتلقونه بالتسليم والقبول.
الوقفة السادسة: لا بد من الاعتناء بالبناء والإعداد:
ينبغي الاعتناء بالبناء والإعــــداد، وألا تكون مواقفنا مجرد ردود أفعال لما يثيره الأعداء؛ فحين تثار قضية نتفاعل معـهــا، ونكثر الحديث حولها وننسى ما سواها، ومن ثم تصبح دعوتنا مجرد انعكاس لما يثيره ويطرحه دعاة التغريب والتحرر.
ومع أن هذا لا يعني إهمال القـيـــام بواجب الإنكار وبيان الموقف الشرعي في القضايا التي تثار، وأن ذلك ينبغي أن يكون في وقته، إلا أن الاعتراض على أن يكون هذا هو وحده محور الحديث ومنطلقه.
والحديث الناشئ عن ردة الفعل سـيـتـحـكم في مضمونه ومحتواه ما يطرحه ويثيره الآخر، ومن ثم فلن يكون متكاملاً أو متوازناً في تناوله للقضية.
الوقفة السابعة: لا بد من التركيز على البرامج العملية:
لا يسوغ أن يبقى جهد الدعاة منحصراً في إطــــــار الخطاب النظري وحده، بل لا بد من الانطلاق إلى برامج عملية ومن هذه البرامج المهمة:
أ - الاعتناء بتربية الفتيات وتنشئتهن ، وهذا يتطلب من الدعاة إلى الله أن يعتنوا ببيوتهم ويعطوها من أوقاتهم.
ب - الاعتناء بإعداد برامج ومناهج تربوية تـتـفـــق مع طبيعة المرأة بحيث تكون متاحة للجميع ليستفيدوا منها.
ج - نـظـــراً لطبيعة المرأة وقلة الفرص المتاحة لها لتلقِّي التربية والتوجيه في مقابل ما هو متاح للـشـباب، فــــــــــإن هذا يستلزم الاعتناء بإيجاد محاضن للمرأة تتلقى فيها التربية والتوجيه، كدور القرآن ومــدارسـه، وأن تُطَوَّر هذه المحاضن ويُرتَقَى بها، وأن تتضافر في ذلك الجهود ولا يكون الأمر مختصاً بفئة يسيرة من المهتمين.
ماذا يريدون من المرأة..؟!
أساليب تغريب المرأة وآثارها
إن فـســـاد الـمـــرأة فساد للأسرة كلها وللمجتمع بأسره لما له من أثر عميق على الناشئة والشباب، ولعل أبرز مــــا نراه اليوم هـو هذا التخطيط المرسوم بدقة والذي أخذ طريقه إلى المدارس والجامعات فأدى إلى تغريب المرأة وعلمنتها وابتعادها عن دينها.
كما أصبح الإعلام الحديث بجميع ألوانـه سلاحاً يفتك بالمرأة ويغريها على الفساد خاصة أنه قد بلغ من الإبداع والتأثير قدراً كبيراً جــعـل من المستحيل مقاومة إغرائه، وقد اعتمد هذا الإعلام في معظم برامجه ومصنفاته الفنية والإعـــلانيـة اعتمـاداً محـورياً علـى مظهــر المـرأة ومفاتنها سواء أكان في التلفاز أو الإذاعة أو الصحف والمجلات أو الإنترنت مؤخراً.
ولا شك أن الانحراف الخطير الذي تردت فيه المرأة قــد أصبح ظاهرة واضحة في المجتمع تشهد عليه تلك الآثار المستشرية في كافة مناحي الحياة الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والسياسية، فضلاً عن خروجه عن مبادئ الدين الصحيح وتعاليمه الأخلاقية والإيمانية.
ولا يخفى على الناظر البصير أن هذه الظاهرة في معظمهـا هي ثمرة لمخططات الاستعماريين والعلمانيين التي وضعت بهدف إفساد المجتمع وتفريــغـــه من المقومات المستمدة من دينه القويم وتراثه الخالد، وبذلك فَقَدَ قدرته على التماسك أمــام ضــربـــات الاستعمار الغربي وأصبح لقمة سائغة له.
وقــــد توسلت هذه المخططات بعديد من الشعارات الزائفة البراقة التي تتخفى تحت مبدأ مساواة المرأة بالرجل وتحرير المرأة من قيود الدين والعرف.
وإمعانــاً في إتمام هذه الخطة الخبيثة تم وضع عملاء من أمثال (مرقص فهمي) الذي أصدر كتاب "الـمـــرأة في الشرق" ونادى فيه المرأة إلى رفع الحجاب والاختلاط بمحافل الرجال، وهاجم فيه أحكــام الشريعة الإسلامية التي تحرِّم زواج المسلمة بغير المسلم ودعا إلى التمرد على هذه الأحكام.
وفي عام 1911م تأسـس فـي مــصـــــــر "حزب بنت النيل" الذي طالب بتحرير المرأة من الحجاب وتقييد الطلاق وكان من قياداتــه القديمة درية شفيق، وأمينة السعيد وغيرهما.
وفي عام 1913م دعيت هدى شعراوي لحضور مؤتمر الاتحاد النسائي الدولي بروما، وكان من توصياته: العمل على تعديل قوانين الطلاق لوقفه، ومنع تعدد الزوجات، وتقرير حرية المرأة في السفور والاختلاط.
وأصدر قاسم أمين كتابه: "الـمــرأة الجديدة" الــــذي نادى فيه بالاتجاه الأعمى إلى تقليد الغرب فكرياً واجتماعياً، وعلى دربه سار سعيد عقــل ولويس عوض ولطفي السيد ونجيب محفوظ، وعديد من أعضاء المحفل الماسوني، ومن الـشـعــراء صادق الزهاوي، ونزار قباني وغيرهم.
ومما زاد الطين بلة قيام زعيم وطني بتمزيق النقاب من فوق وجه فتاة مسلمة في أكبر ميدان في مصر، كما أمر زوجته بحرق الحجاب أمام الجمهور.
ومن فضل الله ـ تعالى ـ أن قيَّض للأمة الإسلامية في هذا الوقت علماء مجاهدين وقفوا بكل قواهم لصد هذه المخططات ولتفنيد هذه الدعوات المشبوهة مما كان له أثره في التخفيف من مساوئها.
الآثار التي ترتبت على إفساد المرأة:
أولاً: مؤشرات عامة تظهر عمق ما أصيبت به المرأة والمجتمع:
1- البعد عن الدين: وذلك بعدم معرفتها لعقيدته السمحة وفروضه وسنته وشريعته العادلة وأخـلاقه الرشيدة، وكذلك عدم الالتزام بأداء العبادات من صلاة وصيام وزكاة وحج وعمرة وذكر وتــلاوة وحفظ للقرآن الكريم واستغفار وحمد لله ـ تعالى ـ ودعاء وأمر بالمعروف ونهي عن المنكر و تواصٍ بالحق و تواصٍ بالصبر.
وقد تمرد بعضهن على تعاليم الدين وتنكرن لعقائده وعباداته وأحكامه مخالفات لقول الله ـ تعالى ـ:{ومَا أُمِرُوا إلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ ويُقِيمُوا الصَّلاةَ ويُؤْتُوا الزَّكَاةَ وذَلِكَ دِينُ القَيِّمَةِ} [البينة: 5].
2- اتـبـــاع الشيطان وهوى النفس: وبذلك تمرغت في أوحال الفسوق والانحلال، وسارت خلف نوازع النفس الأمارة بالسوء، وانطبق عليها قول الله ـ تعالى ـ: {ومَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ} [القصص: 50]، وأنكرت قوله ـ تـعـالى ـ: {فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وقُلْنَ قَوْلاً مَّعْروفاً (32) وقَرْنَ فِي بُيُوتِـكُـنَّ ولا تَـبَـرَّجْـــنَ تَبَرُّجَ الجَاهِلِيَّةِ الأُولَى} [الأحزاب: 32، 33] وقد ورد عديد من الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذا الصنف من النساء نذكر منها:
عن أبي سعيد الخدري مرفوعاً: « إياكم وخضراءَ الدمن! قالوا: وما خضراء الدمن يا رسول الله؟ قال: المرأة الحسناء في المنبت السوء » .
روى الـنـسـائي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « أيما امرأة استعطرت فمرت على قوم ليجدوا ريحها فهي زانية ».
وروى كذلك:« لـعـن رســـول الله صلى الله عـلـيـه وسـلــم الـمتشبهين مـن الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال ».
3- الـتـنـكـر لـلآداب الـديـنـيـة: مثل الحجاب وغض البصر وعدم الاختلاط بالرجال إلا بضوابطها الشرعية؛ فهي لا تـقـيـم وزنـــاً لتعاليم الدين التي تنهــى المــرأة عن الخــروج كاشفة لملابسها الفاضحة، أو متزينة بالجـواهـــر والحـلي البراقة، أو متعطرة، أو متحلية بالأصباغ في وجههــا خـــارج بيتها حتى لا تفـتن الرجال، وقد روى أبو هريرة قول النبي صلى الله عليه وسلم: « صنفان من أهل النار: أحدهما نـســـــــاء كاسيات عاريات مائلات مميلات رؤوسهن كأسنمة البخت لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها ».
4 - تضييع الوقت فيما يضر: فالوقت هو الحياة؛ وهذا الصنف من النساء يقتلن وقتهن في السهر في الملاهي التي تغضب الله ـ تعالى ـ كمشاهـدة الأفـلام الخليعـة ، وفي قــراءة الكتب والصحف والروايات التي لا تراعي الآداب والأخلاق القويمة فـيـمــــا تنشر، وفي مجالس الغيبة والنميمة والتآمر على الفضيلة وإفساد ذات البين ، وغير ذلك من الآثام.
5 - مصاحبة أقران السوء : فالصحبة الفاسدة لها أثر كبير في نشر الفـســـاد ؛ فهي كعدوى الأمراض ينتشر خطرها بالاختلاط خاصة بين النساء والرجال كما سبق ذكره.
6 - انشغال المرأة بالعمل والاشتراك في النشاط الاجتماعي والاقتصادي والـسـيـاســي على حساب بيتها وأبنائها ؛ والإسلام أباح للمرأة أن تعمل إذا ألجأتها الضرورات الاجتـمـاعية إلـى الـعـمــــل لا أن يكون هذا نظاماً عاماً، وعليها حينئذ أن تراعي الشروط التي وضعها الإسلام لإبعاد فتنة المرأة عن الرجل وفتنة الرجل عن المرأة .
وقد أثبتت التجربة الغربية الآثار السلبية لعمل المرأة ، ونذكر منها:
· فـي الـولايــات المـتحدة دخل المستشفى أكثر من 5600 طفل في عام واحد متأثرين بضرب أمهاتهم العاملات لهم ، ومنهم نسبة كبيرة أصيبوا بعاهات.
· فـي مـؤتمـر لـلأطــبــاء عـقــد في ألمانيا قال الدكتور كلين رئيس أطباء مستشفى النساء: إن الإحصاءات تبين أن مـن كـل ثمـانية نساء عاملات تعاني واحدة منهن مرضاً في القلب وفي الجـهــــاز الدموي، ويرجع ذلك ـ في اعتقاده ـ إلى الإرهاق غير الطبيعي الذي تعاني منه المرأة العاملة ـ كما تبين أن الأمراض النسائية التي تتسبب في موت الجنين أو الولادة قبل الأوان قد تـعـــــود إلى الوقوف لمدة طويلة أو الجلوس المنحني أمام منضدة العمل أو حمل الأشياء الثقيلة، بالإضافة إلى تضخم البطن والرجلين وأمراض التشوه".
· توصلت نتائج دراسات أذاعتها وكالات أنباء غربية في 17/7/1991م إلى أنــه خــــــلال الـعـامـيــن الـسـابـقـين هجرت مئات من النساء العاملات في ولاية واشنطن أعمالهن وعدن للبيت.
· نـشـــرت مؤسسة الأم التي تأسست عام 1938م في الولايات المتحدة الأمريكية أن أكثر من 15 ألف امرأة انضممن إلى المؤسسة لرعايتهن بعد أن تركن العمل باختيارهن.
· في استفتاء نشرته مؤسسة أبحاث السوق عام 1990م، في فرنسا أجري على 2.5 مليون فتاة في مجلة ماري كير كانت هناك نسبة 90% مـنهــن ترغبن العودة إلى البيت لتتجنب التوتر الدائم في العمل ولعدم استطاعتهن رؤية أزواجـهـــن وأطفالهن إلا عند تناول طعام العشاء.
· وفي الولايات المتحدة 40% من النساء العاملات، وفي السويد 60% منهن، وفي ألمانيا 30%، وفي الاتحاد السوفييتي (سابقاً) 28% يعانين من التوتر والقلق وأن نسبة 76% من المهدئات تصرف للنساء العاملات.
· أما في الاتحاد السوفييتي فقد ذكر الرئيس السابق "جورباتشوف" في كتابه عن البروستريكا أن الـمـرأة بعد أن اشـتـغـلـت فـي مـجالات الإنتاج والخدمات والبناء وشاركت في النشاط الإبداعي لم يعد لديها وقت للقيام بواجباتها اليومية من أعمال المنزل وتربية الأطفال.
وأضاف قوله: "لقد اكتشفنا أن كثيراً من مشاكلنا في سلوك الأطفال والشباب وفي معنوياتنا وثقافتنا وإنتاجنا تعود جميعاً إلى تدهـــور العلاقات الأسرية، وهذه نتيجة طبيعية لرغبتنا الملحة والمسوَّغة سياسياً بضرورة مساواة المرأة بالرجل".
· وفي دول الخليج ظهرت مشكلة من لون آخر فقد زاد عدد المربيات الأجنبيات بسبب عدم تفرغ الأم لرعاية أطفالها، ولو وضعنا فـي الاعـتـبـار أن نسبة كبيرة من هؤلاء المربيات غير مسلمات، وأن معظمهن يمارسن عباداتهن الخاصة أمــــام أطفال المسلمين ، وأسوأ من ذلك أنهن يزاولن علاقات جنسية مع أصدقاء في منازل مخدومـيـهــــن بالإضافة إلى احتسائهن للخمر وتدخين السجائر بمصاحبة الأطفال ، ندرك حـجــم الخـطــر الذي يهدد الأسرة المسلمة بسبب تحرر المرأة من تعاليم دينها وإهمالها لواجباتها نحو أولادها وبيتها.
ثانياً: مشكلات أصابت الأبناء من الجنسين:
وهــــذه مشكلات تشاهد في الجيل الجديد منذ الطفولة حتى من الشباب وتشمل مشكلات تربوية ومشكلات تعليمية وثقافية.
فالمرأة الـصـالـحــــة ذات الدين إذا كانت زوجة ولها أبناء تؤدي واجبها في تربية الأبناء ورعايتهم بما توفــره للأسرة من سعادة، فينشأ الأبناء في رعايتها نشأة سليمة بدنياً ونفسياً وثقافياً بحيث يلتزمـون بالعقيدة الصحيحة ويمارسون العبادة لله الخالق العظيم على أكمل وجه ، ويتمسكون بالأخـلاق الحميدة والسلوك السوي والصراط المستقيم والبر والتقوى.
أما النساء المنحرفات فـهـن محضن لكل فساد، وقدوة سيئة لأبنائهن في كل نواحي الحياة وفي كل أعمارهم منذ طفولتـهـم؛ فـهم لا يكتسبون منهن إلا القيم الفاسدة والعادات السيئة والصفات الذميمة، وهن يتركنهم بدون الرقابة الواجبة ولا التوجيه الرشيد؛ حيث تربيهم الخادمات الجاهلات أو المربيات الأجـنـبـيــات فيغرسن فيهم أسوأ الخصال وأرذل القيم؛ ولذلك آثار لا تمحى في أعماق نفوس الأبناء تلازمهم في مستقبل حياتهم مما يكون له نتائج لا شعورية في كل سلوكهم، وقد يؤدي إلى إخـفـاقـهـم في الدراسة والعمل بل في تكيفهم مع المجتمع.
أما دور الأم فـي تـعـلـيم أولادها وبناتها خاصة قبل سن التعليم فهو في غاية الأهمية؛ فإن الطفل يخرج إلى الحياة مجرداً عن العلم بأي شيء؛ تـأمــل قــــول الله ـ تعالى ـ: {واللَّهُ أَخْرَجَكُم مِّنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً وجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ والأَبـْصَــارَ والأَفْـئِـــدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [النحل: 78]، والأم هي التي تـقـــوم بتعليم أطفالها استخدام هذه الأجـهــزة الربانية في الحركة والكلام والأكل والإمساك بالأشياء واللعب، كما يتعلمون من الأم والأب وغيرهما من المصاحبين لهم اللغة، ويعرفون بالسماع أسماءهم التي ينادون بها، ثم يلي ذلك تعلم القراءة والكتابة البسيطة والنطق الصحيح للألفاظ ويحفظون اسم الله ـ تعالى ـ ومبادئ الدين.
وهـــذا الــدور الهام لا يمكن أن تؤديه الأم المنشغلة عـن أولادهـا التي تقضي وقتها خارج بيتها، كما لا تصلح له الأم الجاهلة بأمور دينها ودنياها وبواجباتها نحو أطفالها.
وعندما يجـتاز الأطفال هذه المرحلة يكون دور الأم في تحصيل أبنائها العلمي مساعداً لدور المدرسة؛ فـهـي تـعـاونـهــم على أداء واجباتهم الدراسية في المنزل كما تهيئ لهم الأجواء المناسبة في البيت للشعور بالـراحـــة والأمان والحنان والحب مما يكسبهم الثقة في النفس والتفاؤل والثقة في المستقبل، كما تتولى الأم الإجابة على تساؤلات أبنائها في هذه المرحلة التي يكونون فيها دائمي السؤال عن كل ما يخطر على بالهم؛ ويتوقف على مدى صواب إجابات الأم امتلاء عقولهم وقلوبهم بحقائق الحياة وتعرفهم على الفرق بين الحق والباطل والخير والشر والخطأ والصواب.
وأهمية دور الأم في هذه المرحلة في تـعـلـيـم أبـنـائـهــا دينهم ومراقبـة ممارستهم للعبادات والتزامهم بالسلوك والأخلاق التي يحض عليها الإسلام وتـعـريفـهـــم تعاليم الدين المتعلقة بالمجتمع وآدابه في كل شيء؛ وذلك استكمالاً لمقررات الدين في المدرســة ومراقبة تطبيقهم لهذه المعارف والآداب. وهناك أمور تحتاجها الفتاة من الأم تختص بـهـا دون الولد تعتمد على علم الأم بها واهتمامها بها بتبليغ بناتها بها في الوقت المناسب وتدريـبـهـن علـيـها، نذكر منها ما تحتاجه البنت من معلومات عند البلوغ وواجباتها الخاصة في تدبير الـمنزل وخدمة الأسرة لتعرف حقوق الزوج والأبناء والبيت عندما تتزوج.
وهــــذه الواجبات السابق ذكرها لا يمكن أن تؤديها الأم الفاسدة، أضف إلى ذلك أن فساد عقيدة الأم يؤدي إلى دفع أولادها نحو الالتحاق بالمدارس الأجنبية ومن ثَمَّ بالثقافة الغربية مما يكون له أثر بالغ في نشأة شخصيتهم غريبة عن مجتمعهم ودينهم.
ثالثاً:مشكلات أصابت الرجال من أزواج وأقارب كما أصابت المجتمع كله:
1- تأثيرها على الزوج:
حـيـث قــــد يدفـعــــه فسادها إلى ارتكاب المعاصي وإلى طريق الشيطان والبعد عن الصراط المستقيم، كما أن عدم الـتزامها بالحجاب وتبرجها أمام الرجال يثير سخط زوجها وغيرته عليها مما يكون له أثره في ارتكاب الزوج لردود أفعال لجنون الغيرة غير محمودة العواقب.
والمرأة التي لا تحترم الحياة الزوجية تضـر بالأســـرة وتهـدد بتحطيمها بالطلاق أو بإهمال الرجــل لبيته أو بالاتجاه إلى زوجة أخرى، أو الهروب إلى المقاهي ودور اللهو؛ وكثيراً ما تكون سبباً في إدمانه للتدخين والمخدرات والمسكرات.
ومشكلة الطلاق في الغرب تعبر عن هذه الظاهرة في بلاد تعيب على الإسلام إباحته للطلاق؛ فقد بلغت نسبة الطلاق إلى عدد الزيجات في السويد 60%، وفي الولايات المتحدة الأمريكية 40%، وفـي ألـمـانيا 30%، وفي الاتحاد السوفييتي 28%، وفي فنلندا 14%. وتذكـر هـــذه الدراسة التي نشرتها مجلة شتيرن من ألمانيا أن ثلثي الراغبات في الطلاق في فرنسا يمارسن عملاً خارج البيت وأن 22% من حالات الطلاق في ألمانيا نتيجة الخيانة الزوجية، و10% منها لأسباب جنسية، و10% منها بسبب الإدمان.
أمـا في العالم العربي فقد وصلت مشكلة الطلاق إلى حجم غير مألوف مما يحتاج إلى دراسة مستقلة.
ومــــن المشكلات الاجتماعية عزوف المرأة عن الإنجاب؛ حيث لا ترغب في تحمل متاعب الحمــــــل والـوضــع؛ وقــد يدفعها ذلك إلى الإجهاض، وقد تقصر المرأة العاصية في تلبية حاجات زوجها الجنسية مما يؤدي به إلى الزنى أو الشذوذ.
وقد يؤثر ذلك على صحة الزوج بدنياً ونفسياً، ويجعله عرضة للأمراض الجنسية والنفسية وغيرها.
قـد تدفــع المرأة إلى انحراف زوجها مالياً لكي يحقق الثراء والكسب الحرام تلبية لمطالبها من الملابـس الفاخرة والمجوهرات والسهرات الماجنة والحفلات الصاخبة.
2 - تأثيرها على الرجال من الأقارب والآخرين:
المرأة التي لا تلتزم بتعاليم دينها في الحجاب وعدم الاختلاط بالرجال لها خطر عظيم على مجتمع الرجال، لذلك فقد حرص الإسلام على أن يباعد بين الجنسين إلا بالزواج لما يتبع هذا الاختلاط والتبرج من ضياع للأعراض وخبث للطوايا وفـســـــاد للنفوس وتهدم للبيوت وشقاء للأسر.
وقد لوحظ في المجتمعات المختلطة بين الجنسين طراوة في أخلاق الشباب ولين في الرجولة إلى حد الخنوثة والرخاوة.
والـمـرأة الـتي تـخـالـط الـرجــال تتفنن في إبداء زينتها ولا يرضيها إلا أن تثير في نفوسهم الإعجاب بها؛ ولذلك أثره في الإســــراف فـي تكـاليف التبرج والزينة المؤدي إلى الخراب والفقر.
ويـتـرتــب على ذلك انتشار الفحشاء والزنى والأمراض المصاحبة لها في الدنيا، وفي الآخرة عذاب عظـيم لمخالفة تعليم رب العالمين نذكرمنها قول الله ـ تعالى ـ: {قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِـمْ ويَـحْـفَـظُــــــوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (30) وقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَـــارِهِــــنَّ ويَحْفَظْنَ فَرُوجَهُنَّ ولا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا ولْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ ولا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إخْوَانِـهِــنَّ أَوْ بَنِي إخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الإرْبَــةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ ولا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وتُوبُوا إلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا المُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [النور: 30، 31].
وقــــوله ـ تعالى ـ: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لأَزْوَاجِـــكَ وبَنَاتِكَ ونِسَاءِ المُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ} [الأحزاب: 95].
وعن عبد الله بن مسعود ـ رضي الله عنه ـ قال: قـال رســول الله صلى الله عليه وسلم عن ربه ـ عز وجل ـ: « النظرة سهم مسموم من سهام إبليس من تـركـهــا مخافتي أبدلته إيماناً يجد حلاوته في قلبه ».
وروي عن أبي أمامة ـ رضي الله عنه ـ عــن رســـول الله صلى الله عليه وسلم قال: « إياك والخلوة بالنساء! والذي نفسي بيده! ما خلا رجـل بامرأة إلا دخل الشيطان بينهما، ولأن يزحم رجل خنزيراً ملطَّخاً بالطين خير له من أن يزحــم مـنكـبـيـه مـنكـب امـرأة لا تحل له » .
أخـــرج النسائي: قول النبي صلى الله عليه وسلم: « أيما امرأة استعطرت فمرت على قوم ليجدوا ريحها فهي زانية وكل عين زانية » .
وإثم مخـالـفــة تعاليم الله ـ تعالى ـ لا تقف على النساء فقط بل على المخالفين من الرجال؛ ولا يعذرون عـنــد الحـســـــاب لا في الدنيا ولا في الآخرة بأنهم كانوا فريسة لفساد النساء ولغواية الشيطان بعــد أن حذرهـم الله ـ تعالى ـ.
3 - تأثيرها على المجتمع كله:
هــــذه المشكلات التي تهز اليوم أركان الأسرة والمجتمع بشدة كمشكلة الاغتصاب وخطف الفتيات والأطفال غير الشرعيين وأولاد الشوارع كلها من آثار فساد المرأة. وقد ظهرت حديثاً ظاهرة انتشار ما يسمى بالزواج العرفي الذي وضع الأسرة أمام مشكلات جديدة تضع غطاءً يخفي الفساد الاجتماعي الناتج عن انحراف الفتيات ويؤثر على مستقبل الأجيال القادمة.
كـمـا زادت نسبة جرائم الأحداث والتشرد والتسول والأطفال المعاقين وهي نتيجة لتحطم الأسرة الفاسدة وانحراف الزوجين وإهمال الأبناء.
وأخيراً:
هـنـاك مشكلات اقتصادية تؤثر على المجتمع ترتبت على انحراف المرأة العاملة فضلاً عن انخـفــاض إنتاجيتها؛ فإنها تؤثر على إنتاجية زوجها وأولادها العاملين وتعوق تفوقهم في العمل وتفرغهم للإنتاج؛ ولذلك أثره المدمر على الاقتصاد الوطني.
وختامــاً فإن الحمد والفضل لله ـ تعالى ـ الذي أنزل للإنسانية كتابه الكريم الذي فيه شفاء لكل أمراضهـا وعلاج لكل مشكلاتها وهداية لها من الضلال. وقال ـ عز وجل ـ: {يَا أَهْلَ الـكِـتَـابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِّمَّا كُنتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الكِتَابِ ويَعْفُو عَن كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُـم مِّــنَ اللَّهِ نُــورٌ وكِـتَــــابٌ مُّبِينٌ (15) يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ ويُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إلَى النُّورِ بِإذْنِهِ ويَهْدِيهِمْ إلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} [المائدة: 15، 16]، كـما تكفل ـ عز وجل ـ بحفظه إلى يوم الدين؛ حيث قال: {إنا نحن نزّلنا الذَكر وإنا له لحافظون} [الحجر: 9].
وذلك يبعث الأمل في الإصلاح بالرجوع إلى كتاب الله ـ تعالى ـ وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم والتمسك بهما والعودة إلى المجتمع الإسلامي الفاضل.
ونسأل الله ـ تعالى ـ أن يرزقنا الإيمان ويوفقنا إلى طاعته ذكوراً وإناثاً وبذلك يتحقق صلاح الأمة بأسرها في الدنيا وتنال رضوان الله ـ تعالى ـ في الآخرة.
ماذا يريدون من المرأة..؟!
المرأة.. وخطوات نحو التربية
ثلاثة عشر عاماً هي تلك التي أمـضــاهــــا النبي صلى الله عليه وسلم في مكة باذلاً جهده ووقته وثمين دعوته في تربية جيل الصحابة أثمرت أفراداً قلائل.. وشخصيات معدودة.. ولكنها قلة ضربت أروع الأمثلة في الثبات يـوم كـثـر الـنـفـاق بعد بدر.. قلة ولكن كتب لها النصر دون عشرة آلاف من الطلقاء الذين انهزموا في حنين.. قــلـة ثـبـتت على عهدها يوم ارتدَّت قبائل العرب بعد موته صلى الله عليه وسلم.. لقد كان النبي صـلـى الله عليه وسلم عميق الفكرة.. بعيد النظرة.. حين صرف الوقت الذهبي من دعوته في تربـيـــة ذلك الجيل الأول من الصحابة.. كيف لا!! وهم نجوم النور.. وخير أهل الأرض.
فـلـنـتـجاوز أربعة عشر قرناً من تاريخنا الممدود لنصل اليوم إلى منظر هذه الجموع النسائية التي تتوجـه يومياً إلى مراكز تحفيظ القرآن الكريم وغيرها من المراكز الإسلامية لسماع كلمة حق في تـفـسـيـر آيــة أو شرح حديث.. والتي تدفع إلى الابتسامة والتمتمة بكلمات الحمد والثناء لله.. ثم الإعجاب بتلك الجهود والتضحيات التي ـ ولا شك ـ كانت وراء كل قلب اهتدى وكل رِجْل قدَّمتِ الخُطا..
إن هذه الجموع التي تـصــمُّ آذانها عن نعيق الغربان معلنة التحدي أمام كل مغريات الزمن وفتنه.. لهي جموع تنظر بعين الحاجة والافتقار إلى من يأخذ بيدها ويحسن توجيهها.. وهنا بالذات يأتي دور التربية.. فإننا لا نعاني من الكم! وإنما من الكيف!
خطوات نحو التربية:
لو أخذت أي بذرة من بذور الأرض ووضـعـتـهــا في إناء زجاجي أو على رف من الخشب فإنها لن تنبت مهما طالت المدة حتى تضعها في أرض خـصـبـة وتـتـعـاهـدهـــا بماء وسقيا وتعرضها لحرارة الشمس، ثم ما تزال معها تهذبها وتشذب أطرافها وتحسن توجـيـهـهــا وتـزيـل عـنـهـــــا ما يؤذيها حتى تشتد وتخضر وتقف على ساقها.. وهذا ما تعنيه